من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
تصانيف
وتظهر الموضوعات المحلية مثل التواتر في أحوال النفس؛ فالتواتر ليس فقط في المنطق، بل أيضا في علم النفس في بيان كيف تستعين النفس بالبدن ومتى تستغني عنه، متى ينفعها ومتى يضرها، مستعارا من علم الحديث، واستعارته من قبل في علم أصول الفقه. تعين القوى الحيوانية النفس في أشياء، منها أن يورد الحس الجزئيات فتحدث لها أمور أربعة؛ الأول: انتزاع النفس الكليات من الجزئيات عن طريق التجريد. والثاني: إيقاع النفس مناسبات بين الكليات سلبا وإيجابا، وهو الاستدلال. والثالث: تحصيل المقدمات التجريبية، وهو التمثل أو الاستقراء، حسيا أو قياسا. والرابع: التواتر. فالنفس الإنسانية تستعين بالبدن لتحصيل المبادئ للتصور والتصديق، والتصديق بالتواتر لا يرجع إلى صحة السند، بل إلى صدق المتن ومطابقته لقوى النفس العلمية والعملية.
11
فإن زاحم الخيال قوى النفس ضعف التواتر، وإن كان المنطق هو المسيطر صح التواتر؛ فالتواتر مصدر للمعرفة الصحيحة من خلال النفس الناطقة. والسؤال الآن: هل حصول المعارف في النفس يجعل المعرفة جزءا من علم النفس؟ هل وجود النفس بالبدن وحصول المعارف بالنفس يجعل البدن جزءا من نظرية المعرفة؟ هل لأن التواتر أحد مصادر المعرفة يصبح بذلك جزءا من موضوع علم النفس؟ هل التواتر يدخل في موضوع علم النفس وتطهيرها وخلاصها من البدن؟ هل يدخل مع قوى النفس الحسية والخيالية؟ يستعمل ابن سينا لفظ التواتر في اللغة العادية في «حي بن يقظان»، ويعني به الأخبار اليقينية ، وكأنه رمز معرفي. وأخيرا يظهر الأسلوب العربي والأمثلة العربية؛ مما يدل على التأليف المحلي.
12 (و) وفي رسالة «القولنج » لا يظهر إلا جالينوس استشهادا بقوله (مرة واحدة). وابن سينا كالعادة صامت عن مصادره إلا الاستثناء. والرسالة وسط بين القصر والطول. فصولها قصيرة، ومع ذلك تغلب عليها الإيمانيات والدعوة لله والسلطان؛ فالرسالة مكتوبة لخزانة السلطان، وليس للصالح العام.
13 (2) آليات الإبداع
ولا تختلف آليات الإبداع في تمثل الوافد عنها في باقي الأنواع الأدبية منذ التفسير والتلخيص والعرض، من تحليل أفعال القول أو أفعال البيان والإيضاح، ووصف مسار الفكر، وإيجاد البراهين والاتساق العقلي، وبيان وحدته، والإحالة إلى نفسه أو إلى غيره، والانتقال من السابق إلى اللاحق، من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل.
14
ويحيل العلم إلى باقي العلوم تأكيدا لوحدة العلوم في منظور واحد. وتقوم الإحالة على نظرية حتمية في تقسيم العلوم، والتي يسميها الفارابي «إحصاء العلوم»؛ فكل علم تتأسس مبادئه في علم آخر، ومبادئ العلوم الجزئية تتأسس كلها في علم كلي هو الفلسفة الأولى؛ لأنه لا يمكن البرهنة على مبادئ العلوم من العلوم الجزئية ذاتها؛ فيحيل موضوع النفس إلى كتب النطق؛ إذ يعتمد تحليل قوى النفس الناطقة الخمسة التي تداخل فيها النفس الحيوانية مع النفس الإنسانية على كتب المنطق في المقدمات الذاتية المشهورة؛ أي قياس النفس إلى نفسها، وهو ما يعادل العقل النظري. كما يحال إلى كتب الأخلاق لمزيد من التفصيل عن التوسط بين الخلقين الضدين.
15
ويظهر أيضا هم الاختصار واستبعاد التطويل، خاصة في الرسائل كنوع أدبي، ومع ذلك قد يطيل آخرون لجعل الموضوع أوضح وأجلى.
صفحة غير معروفة