من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
تصانيف
4
وتدل المراسلة مع ابن حسداي على التعايش السلمي بين المسلمين واليهود في الأندلس، والصداقة بين الفيلسوفين في مجتمع ديني يقوم على الوحي بلا تمييز بين مراحله، بل ويقدر تراث المجتمع الوثني الديني السابق، وهو في حد ذاته موقف إبداعي. ويتصدر الزرقالة، ثم ابن حسداي وابن الهيثم وأبو نصر. ويحال إلى كتاب الشكوك على بطليموس لابن الهيثم، وإلى مكان تأليف الرسالة، إشبيليا.
5
والزرقالة بطليطلة معروف بولد الزرقيان أو ولد الزرقيال في الأرصاد والكواكب والأفلاك والآلات النجومية. وله صحيفة الزرقيال التي لم يفهمها المشرق. وينقد ابن باجه نقد الزرقالي وابن الهيثم لبطليموس. والموضوع علمي يضع فيه ابن باجه تجاربه الشخصية، وهو على وعي بمنظوره، وينقسم إلى موضوعات متقطعة انعكست على طريقة التأليف في فقرات متقطعة.
6
ويصرح ابن باجه بأنه تعلم عن الفارابي المنطقي ضروب البرهان. وقد تعلم منه ذلك متأخرا بعد الرياضيات والفلك والموسيقى. وينقد ابن باجه الزرقالة إبراهيم بن يحيى الأندلسي بأنه لم يكن من أهل صناعة الهيئة، بل كان يقول فيها بحسب سوانحه ولوائحه؛ فتضطرب أقواله، ويكثر الكلام فيما لا معنى له؛ لذلك ناقض بطليموس. فالزرقالة نموذج البعيد عن الصناعة بالرغم من كتابته مقالا يبطل فيها طريق بطليموس في استخراج البعد الأبعد لعطارد. فهو نموذج الهاوي في العلم لا المتخصص. ينقد ابن باجه الموروث قدر تعامله مع الوافد. الزرقالة غير عميق في الفلك، ذاتي غير موضوعي، ذو كلام مضطرب، كثير الكلام بلا دلالة، يذهب عليه بعض معاني العلم، ويناقض بطليموس. ويدافع ابن باجه عن بطليموس في حين أن ابن رشد ينتصر لأرسطو وينتقد بطليموس في مقالة اللام. يطهر ابن رشد الأصل الوافد، ويطهر ابن باجه العلم الوافد؛ فالعلم ليس الإشراق، ومع ذلك يوضح الإشراق العلم. العلم من الذات لا من الموضوع، من الداخل لا من الخارج. العلم تصوف العلم. يعيد ابن باجه تأويل العلم الطبيعي في الأندلس تأويلا صوفيا، فكيف يقال إن مشروع الغرب الإسلامي كان عقلانيا وفيه ابن باجه وابن عربي ومدرسة ابن مسرة و«زهر» في التصوف اليهودي؟ وخطأ الزرقالة هو خطأ ابن الهيثم، بل إن ابن الهيثم أسوأ من الزرقالة وأبعد عن صناعة الفلك. ينقد ابن باجه موقف ابن الهيثم من بطليموس. ابن الهيثم مثل الزرقالي في نقده لبطليموس، مع أن الهيثم أوضح والزرقالي مشوش. لم يقرأ ابن الهيثم الصناعة إلا من أسهل الطرق، بل إنه أبعد منها عن الزرقالة؛ ربما لأنه بصري وليس فلكيا. ربما لم يكن لديه وقت أو نقله عن غيره، وكأن ابن باجه يجد له الأعذار. المهم هو تحليل التراكم التاريخي الفلسفي والعلمي، ووضع الوافد والموروث في وعي تاريخي واحد، ولا يوجد هجوم مماثل على الداخل على الأشعرية والكلام والإشراق عند ابن سينا. وتظهر البيئة الجغرافية المحلية، مثل إشبيليا مدينة تعلم صناعة الموسيقى. (ب) وفي «من كلامه على إبانة فضل عبد الرحمن بن سيد المهندس» يظهر من الوافد أبولونيوس مع كتابه في المخروطات ، وإقليدس وليس أرسطو.
7
ويقارن ابن باجه بين توليد القطوع عن ابن سيد والمخروط عند إقليدس في آخر المقالة العاشرة من كتابه، بين الموروث العلمي والوافد العلمي. كما ينقد أبولونيوس؛ لأن البرهان بين أن التماس لا يكون بإحدى الجهتين اللتين ذكرهما أبولونيوس. ويذكر ابن باجه محيلا إلى المقالة الأولى من «المخروطات» دون ذكر اسم مؤلفه أن كل سطح يلقى بسيط مخروط ولا يمر برأسه يقطعه، وغير ذلك من المسائل الرياضية.
ومن الموروث يذكر ابن سيد، ثم ابن الإمام وابن الصائغ وابن النضر، مع ذكر مكان إشبيليا. ويحكم ابن باجه على الداخل مع احترام كامل للآخرين دون إزاحتهم كما يفعل المغاربة المعاصرون. وهو موضوع رياضي ينتمي إلى المرحلة الأولى، ويتضح ذلك من المرسل إليه، وهو من أهل بلنسيا، عالم بالحساب والعدد والهندسة. ويستأنف ابن باجه ما قام به ابن سيد المهندس من قبل بعد أن استأنف ابن سيد نفسه تراث المهندسين قبله، ولكنه كان أقرب إلى الاتصال معهم دون أن يطور الموضوع وينقله نوعيا ربما لعوائق عصره، أو لعمله بمفرده مما يحتاج إلى تطوير وإكمال. ومع ذلك استطاع ابن سيد أن يختص بشيء جديد بالإضافة إلى تراث القدماء، وهنا يدخل ابن باجه لاستئناف الجديد، فالتراكم التاريخي شرط الإبداع. (ج) وفيما «كتب - رضي الله عنه - إلى الوزير أبي الحسن ابن الإمام» يبدو الوافد أولا في إقليدس، ثم ثامسطيوس وأرسطو والإسكندر وأبولونيوس وشاعر اليونان. ومن الكتب يحال إلى نيقوماخيا والبرهان وبارمنياس.
8
صفحة غير معروفة