من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث

حسن حنفي ت. 1443 هجري
168

من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث

تصانيف

20

ولا يظهر متكلم أو فيلسوف أو صوفي أو أصولي أو فقيه أو مفسر أو محدث. يتعامل ابن سينا مع الأصول الأولى وحدها لتنظيرها وكأنها موضوعات، وكأن علوم الحكمة أصبحت بديلا عن علوم التفسير. الآية الأولى هي آية المشكاة

الله نور السموات والأرض ، يستعملها الصوفية، ويفسرها الغزالي، ويمكن من خلالها عرض نظرية المعرفة الإشراقية، شرح كلمة كلمة وعبارة عبارة.

21

والآية الثانية

ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية . وتتضمن صورا فنية لموضوع غيبي قريب الشبه بموضوع الاستواء في علم الكلام؛ فالعرش نهاية الموجودات المبدعة الجسمانية، وليس كما يقول أنصار التشبيه من المتشرعين، أي الفقهاء، من حلول الله فيه وجلوسه عليه. نهاية الموجودات الجسمانية الفلك التاسع، فلك الأفلاك؛ ومن ثم فلا حلول كما بين أرسطو. وهنا يستعمل أرسطو دفاعا عن التنزيه. أما الحكماء الفقهاء فقد أجمعوا على أن العرش هو هذا الجرم، وأن الفلك يتحرك بالنفس حركة شوقية؛ لأن الحركات إما ذاتية وإما غير ذاتية، والذاتية إما طبيعية وإما نفسية؛ فنفسه ناطق كامل فعال، والأفلاك لا تفنى ولا تتغير، كما ذاع في الشرع أن الملائكة أحياء، فهي مثل الأفلاك؛ ومن ثم صح أن العرش محمول على الأفلاك الثمانية. والحمل نوعان؛ بشري من حامل ومحمول، وطبيعي كحمل الماء على الأرض والنار على الهواء، وهو المقصود بحمل العرش دون التماس. وتحديد الحمل بالساعة والقيامة لأن من مات قامت قيامته. ولما كانت النفس الإنسانية مفارقة ارتبطت بوقت المفارقة، الوعد والوعيد. يحول ابن سينا الكلام إلى الفلسفة، والشرعيات إلى كونيات ، ويفسر الاستواء على العرش بالأفلاك، ويعتمد على النقل والعقل مفسرا الشرع بالشرع، والنص بالنص، والكتاب بالسنة. وفي نفس الوقت يثبت المعاد، الوعد والوعيد والثواب والعقاب. يؤكد على الزمان في «يومئذ»، ويهرب من المكان في «فوقهم». لم يتخل ابن سينا عن التصور المكاني كلية؛ فالعرض نهاية الموجودات المبدعة الجسمانية، فهل هو أول الخلق أم آخره؟ مخلوق أم غير مخلوق؟ وأين كان الله يستوي قبل الخلق؟ وإذا كان العرش قديما فهل يوجد قديمان؟ وهي مسائل نظرية لا حل لها إلا في التأويل المجازي كما قال المعتزلة، أو في الصورة الفنية والتخييل كما قال الحكماء دون الوقوع في تأسيس علم كلام فلسفي جديد، بالرغم من السخرية من علم الكلام القديم عند المتشبهة والمتشرعة.

22

ويفسر ابن سينا الآية الثالثة

عليها تسعة عشر

بأن الجحيم هي النفس الحيوانية، باقية دائمة في جهنم، وهي قسمان: إدراكية وعملية. والعملية قسمان: شوقية وغضبية. وهي تصورات الخيال، المحسوسات بالحواس الظاهرة الستة عشرة، والقوة الوهمية حاكمة على تلك الصور حكما غير واجب، واحدة ذاتيا فيكون المجموع تسعة عشر. يحاول ابن سينا إيجاد التجارب الإنسانية المقابلة للأعداد، سواء الثمانية السابقة أو التسعة عشرة الحالية. تصف الآية واقعا إنسانيا كما هو الحال في تحقيق المناط عند الأصوليين. يلجأ ابن سينا إلى هذه الموضوعات الغيبية التي تسمح بالتأويل الفلسفي كما تفعل الصوفية. الجحيم هو الجهل، والنعيم هو العلم. وهو تأويل يفيد مجتمعات الجهل التي تريد أن تتحول إلى مجتمعات العلم. أما الملائكة، فهي القوة اللطيفة غير المحسوسة، صورة فنية للتعبير والتأثير. ويبدأ ابن سينا الآية بأنها ما بلغ النبي محمدا عن ربه، ثم يئولها تأويلا إنسانيا؛ فالإلهي إنساني على مستوى التبليغ والفهم كما يقول المعاصرون؛ لذلك يذكر اسم النبي محمد، ويصلي ويسلم عليه في التبليغ، وصحة دعوته للعاقل، وفي إيصال رسالته إلى العرب الأجلاف.

صفحة غير معروفة