من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
تصانيف
53
وقد خلق الله الدواء للمنفعة، كما خلق العضو للصحة والمرض، وهو دواء إلهي شاف بإذن الله. والأيارج اسم للمسهل، وتفسيره الدواء الإلهي لأنه عمل المسهل أمر إلهي. وهنا تبدو الأشعرية مرة ثانية في ثنايا علم الطب. يأخذ مفهوم العناية الإلهية إذن معنى علميا بمعنى نظام الكون كما هو الحال في البدن الطبيعي؛ فالعناية الإلهية تتجلى في الطبيعة وفي الإنسان، وكأن العناية حالة في الطبيعة، وكأن الطبيعة عاقلة وقاصدة إلى غاية خيرة. ويستعمل ابن سينا لفظ «التسخير»، اللفظ القرآني، لبيان هذه الوحدة بين الخلق والعناية.
54
ويعبر عن هذا الجو الديني داخل علم الطب البدايات والنهايات الإيمانية، البسملات والحمدلات في أوائل الكتب أو في آخرها، كما تتكرر لازمة «إن شاء الله تعالى» بعد الإعلان عن النية والقصد. ويظهر لفظ «اللهم» كأسلوب في التعبير . ونفس النهايات الإيمانية لصاحب المطبعة المتوسل إلى الله بالجاه، والطالب العون على أداء واجب الصناعة. وقد أسقطت أمثال هذه العبارات من الترجمات اللاتينية على أنها بنية محلية غير علمية، فتأزم العلم الغربي، ووقع في التجريبية الخالصة بدعوى الفصل بين حكم الواقع وحكم القيمة.
55 (ه) وتعد «أجوبة الشيخ الرئيس عن مسائل أبي الريحان البيروني»
56
من أطول الرسائل، ومن أكثرها اشتغالا باليونان وذكرا لهم، وتدل أيضا على التراكم الداخلي العرضي، الحوار بين المعاصرين في الداخل بالرغم من أولوية تمثل الوافد على تنظير الموروث، وفي صيغة السؤال والجواب كما هو الحال في علم الأصول. الرسالة رد على سؤال البيروني حول بعض موضوعات الوافد. البيروني عالم، والحكمة حاملة العلم.
من الوافد يتصدر أرسطو كاسم علم في الغالب، أو اللقب مثل الفيلسوف وهو الغالب، أو الحكيم صاحب المنطق، ثم أفلاطون، ثم ثامسطيوس وأنكسمندرس، ثم الإسكندر وطاليس وهرقليطس وديوجانس ويحيى النحوي. ولم يذكر من الموروث إلا الرازي والفارابي.
57
وقد ذكر أرسطو في مقدمة المسائل مع تحديد اسم كتاب «السماء والعالم» الذي به المشكلة. والسؤال حول السبب الفلسفي، وابن سينا هو الأقدر على الإجابة نظرا لتمثله ثقافة الآخر. لا يكفي علم أبي الريحان وحده دون حكمة أبي علي؛ فالعلم دون فلسفة لا يبصر ولا يدرك ذاته. العلم دون فلسفة مادة بلا صورة، بدن بلا نفس، والفلسفة دون علم صورة بلا مادة، نفس بلا بدن. ومن الأسئلة الثمانية عشرة ذكر أرسطو في تسع منها؛ أي في نصفها. والمسائل والأجوبة المذكور فيها أرسطو أربعة (أي ثماني مرات)، وفي الأجوبة وحدها أربعة، وفي الأسئلة وحدها مرة واحدة، وكلها موجهة إلى السماء والعالم.
صفحة غير معروفة