من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
تصانيف
6
القسمة إذن ثلاثية؛ أهل الكتاب، والمجوس، والفلاسفة. وتقوم على الكتاب: من له كتاب محقق مثل التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى، ومن لهم شبهة كتاب وهم المجوس بعد أن رفعت صحف إبراهيم إلى السماء بعد ما وقع من المجوس. والدين الطبيعي الذي ينتسب إليه الفلاسفة. فالدين نوعان؛ دين كتاب ودين طبيعة. والخارجون عن الملة الحنيفية والشريعة الإسلامية يقولون بشريعة وأحكام وحدود أعلام.
7
وهنا تدخل الأسطورة في عمل المؤرخ في شبهة الكتاب ورفع صحف إبراهيم مع أن التوراة أيضا وصفت بأنها
صحف إبراهيم وموسى ، ولم ترفع. وكذلك انبثاق نور إبراهيم في شعبتين؛ بني إسحاق وبني إسماعيل. فالكتاب مدون قبل البعثة، والصحف غير مدونة تأتي وترفع. وقد سمي اليهود والنصارى «أهل الكتاب» لأن الناس كانوا نوعين؛ أهل كتاب يقرءون كاليهود والنصارى، وأميون لا يقرءون ولا يكتبون كالعرب. الفريق الأول في المدينة، والثاني في مكة. الأول ينصرون الأسباط ويذهبون مذهب بني إسرائيل، والثاني ينصرون دين القبائل ويذهبون مذهب بني إسماعيل، وكلاهما من نور إبراهيم. الأول ظاهر والثاني خفي. يظهر الأول في النبوة والثاني في المناسك والعلامة. قبلة الأول بيت المقدس، وقبلة الثاني البيت الحرام. شريعة الأول ظواهر الأحكام، والثاني رعاية المشاعر ورفاهية القلوب. خصماء الأول الكفار مثل فرعون وهامان، وخصماء الثاني المشركون مثل عبدة الأصنام والأوثان.
8
كانت الأمة اليهودية أكبر من الأمة النصرانية في شبه الجزيرة العربية، ولكن بعد دخول أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأستراليا في النصرانية تفوق الآن النصارى اليهود، ويفوق المسلمون الديانات جميعا من حيث العدد. لم يغير المسيح من شريعة اليهود، بل أكملها بالأخلاق والمواعظ، ولم ينقد اليهود إليه اتهاما له بأنه غير الشريعة، من السبت إلى الأحد، وحلل أكل الخنزير، وبدل الختان والغسل. وقد جمعت الشريعة الإسلامية بين الاثنين واتهمتهما معا بالتحريف. ويستعمل الشهرستاني القرآن والحديث مصادر له لمعرفة اليهودية في النصرانية وأهل الأهواء والنحل وهرمس.
9
ولا يعلن الشهرستاني عن مصادره كما أعلن المؤرخون الآخرون. هو فيلسوف يعرض المقالات والنظريات والآراء والأفكار. فالفكرة هي وحدة التعليل أو القول المنثور غير المباشر، وليس المنصوص المباشر نقلا عن آخرين، فلا يهم المصدر بل الموضوع، لا يهم السند بل المتن، مما يجعل الشهرستاني أقرب إلى ابن هندو والمبشر بن فاتك اللذين أرخا للأقوال والحكم والمأثورات وليس للأشخاص باستثناء بعض النوادر في حياة الفلاسفة كما فعل حنين بن إسحاق خاصة نادرة أبقراط ووطنيته، ورفض خدمة ملك الفرس. ويروي نصفها عن ابن سينا.
10
صفحة غير معروفة