من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
تصانيف
وضع الوافد في الموروث منعا للتغريب والازدواجية ليس فقط على طريقة الوعاء كما هو الحال في الشرح بل عن طريق الموضوعات نفسها أي بداية للتحول من الشكل إلى المضمون، ومن الألفاظ إلى المعاني.
وكما أن الشرح مرحلة تالية للتعليق والتعليق مرحلة تالية للترجمة، فإن التلخيص مرحلة تالية للشرح، يبدأ بالمعنى وليس باللفظ، بالقصد وليس بالعبارة. ومع ذلك قد تكون الترجمة تلخيصا منذ البداية، مجرد التعرف على المعنى حتى يتضح في الذهن، والتعبير عن ذلك باللغة العربية المباشرة حتى يتم التأليف في الموضوع. فالترجمة تتم بناء على باعث فكري واهتمام فلسفي بالموضوع. وذلك مثل ترجمة الآثار العلوية. فهي مجرد تلخيص بطريقة القول الشارح. وقد يكون الشرح تلخيصا أي إدماجا وحذفا كيفيا دون حذف كمي. إذا كان النص المنقول غير متوازن المقالات من حيث الكم فإن وظيفة الشرح إعادة إنتاج النص بحيث يحقق توازنا أكبر بين المقالات. وإذا ما تفاوتت مؤلفات أرسطو فيما بينها من حيث الكم فإن الشرح لا يلتزم بنفس النسبة الكمية. قد يسهب في كتاب قصير، ويختصر كتابا طويلا.
19
قد يكون الهدف من الشرح جمع الموضوعات المشتتة المفرقة دون قسمة جامعة بينها أو بنية. مهمة الشرح لم الموضوع وجمع عناصره المتناثرة في بنية واحدة كما هو الحال في كتاب الآثار العلوية الذي تشتت موضوعاته وتتفرق دون قسمة جامعة بينها.
20
وبالتالي يصبح الشرح هو الأصل والترجمة هي الفرع، عملية وعي حضاري بقلب الأصل فرعا، والفرع أصلا.
وقد يقوم النقلة أنفسهم بمختصرات قبل الشراح والفلاسفة. يساهم في ذلك الأدباء والأطباء وكل أهل الثقافة المشتغلين بالفكر سواء كانوا معروفين أو غير معروفين، يأتي التلخيص قبل الترجمة كما هو الحال في كتاب الشعر قبل ترجمته من أجل مجرد التعريف بالكتاب. فإن دعت الحاجة بعد ذلك إلى ترجمته كلية جاءت الترجمة في جو ممهد ثقافيا لقبول الكتاب والرغبة في التعرف على المعاني قبل الألفاظ على عكس كتب المنطق الأخرى التي بدأت ترجماتها قبل شرحها وتلخيصها. وقد يتم التلخيص والشرح مع الترجمة وربما قبلها في صياغتها وحولها من أجل تفتيت النص من الداخل ثم حصاره من الخارج. ولا يتحقق الغرض عن طريق محاصرة النص بوضع الشرح مع النص مساويا له في الأهمية وبالتالي يتم ابتلاع النص في الشرح.
التلخيص إحدى مراحل الانتقال من الترجمة والتعليق والشرح إلى الجامع والتأليف والإبداع، بداية التأليف المستقل من النص وإن كان في معانيه دون الالتزام بحروفه. ليست مهمته الإضافة والزيادة بل العرض الواضح للموضوع مع إعادة الترتيب وتقطيع النص إلى وحدات جزئية وإبراز المعاني والأشياء وراء الألفاظ والعبارات. التلخيص قراءة، والقراءة إعادة بناء القديم طبقا للجديد، أسسه واحتياجاته. فالحكم بعدم الجدة في التلخيص يصدر عن عقلية الانقطاع، وإضافة شيء جديد بديلا عن شيء قديم من الخارج وليس على عقلية التواصل، استخراج الجديد من القديم من الداخل عن طريق التولد. يضع التلخيص الجزء في الكل، وأحد كتب المنطق داخل كتب المنطق كلها، وبيان جوانب الموضوع في بنية واحدة ورؤية القصد الكلي للعمل. (ج)
الانتقال من التلخيص إلى الجامع على مستوى الشيء: فإذا كان الشرح يقترب من النص كلفظ وعبارة، وينتقل التلخيص إلى المعنى والمفهوم فإن الجامع يذهب إلى الموضوع مباشرة فيما وراء الألفاظ والمعاني لإبرازه حتى يراه القارئ، ولابن رشد جوامع إحدى عشر، ثلاثة في المنطق، وسبعة في الطبيعيات وواحد في السياسة.
21
صفحة غير معروفة