من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
تصانيف
والعرض التاريخي لا يكون نوعا أدبيا أو بنية. إنما هو المناسبة أو الحامل في الزمان والمكان.
12
فإذا كان ابن رشد قد كتب شروحه الثلاثة بناء على طلب الأمير فإن ذلك يدل على اهتمامه بالفلسفة وابن رشد هو الفيلسوف. والعلاقة بين الفلسفة والدولة علاقة حميمة طالما أن الأمير يريد المعرفة، والفيلسوف قادر على أداء المهمة. الملك الفيلسوف والفيلسوف الملك نموذج القدماء ليس صعب المنال. فبعد ثلاثمائة عام من الترجمة والشروح والتلخيصات والعروض والمؤلفات ما زال الأصل في حاجة إلى توضيح وكأن الطلب ينم عن حركة فلسفية أصولية، تود العود إلى الأصول سواء من الأمير أو من الفيلسوف. والعودة إلى الأصول كانت مطلب الفقهاء في الأندلس وأساس تحريم الفلسفة وتكفير الفلاسفة فيما بعد. كانت نية الأمير والفيلسوف الدفاع عن الفلسفة ضد المتربصين بها، والمعادين لها من الفقهاء والحساد. فالشرح توضيح لها ودفاع عنها. ولما كانت الفلسفة هي أرسطو وبالتالي فإن الدفاع عن الفلسفة هو شرح أرسطو وتوضيحه. طلب الأمير شرعي لشعوره بغربة ثقافية مع الوافد. وقد استطاع ابن رشد بشروحه الثلاثة القضاء عليها بإعادة الوافد إلى حضن الموروث، وبيان اتفاق النص والعقل والطبيعة.
والغاية من الشرح والتلخيص والجامع هي نفس الغاية من الترجمة والتعليق، استمرار ضم الوافد والموروث في وحدة ثقافية متجانسة على النحو الآتي: (1)
تجاوز الازدواجية الثقافية بين الوافد والموروث، ومزاحمة الوافد للموروث، ومقاومة الموروث للوافد حتى لا يقع الأنا الحضاري في ازدواجية الثقافة وبالتالي ازدواجية الشخصية وشق الصف الوطني، وصراع القوى السياسية كما هو الحال في هذه الأيام. (2)
تجاوز عزلة الوافد؛ وبالتالي عزلة النخبة الناقلة لها حتى لا تصبح عنصر جذب وتغريب لثقافة الموروث؛ وبالتالي يتم الاستفادة بالوافد في المصطلحات والمناهج وتطوير الموروث. (3)
تجاوز الأنا الحضاري البدوي الإحساس بالدونية أمام ثقافة الآخر العقلانية الطبيعية المفتوحة التي تقوم على تعدد الرأي والافتراض والرد والحجة والبرهان. ولا يكفي أن يقوم الوحي بتعويض الأنا هذا الإحساس بالدونية وإلا تحول إلى إحساس مضاد بالعظمة بل تطوير الأنا الحضاري الحامل للوحي وللحضارة؛ وحي الأنا وحضارة الآخر خاصة وأن كليهما يقوم على أسس مشتركة، العقل والطبيعة. (4)
عدم الوقوع في عزلة الموروث وثباته دون تطويره بالتفاعل مع الثقافات المجاورة وعقلنته طبقا لروح الثقافة الوافدة، وبيان اتفاق الوحي والعقل والطبيعة. فالوافد وسيلة والموروث غاية، وهو التقابل المعروف عند المؤرخين بين علوم العجم وعلوم العرب، بين علوم الأوائل وعلوم الأواخر أو عند الفقهاء بين علوم الوسائل وعلوم الغايات. (5)
إظهار إبداعات الأمة وحيويتها وقدرتها على الإبداع الحضاري دون التصاق بالموروث المعطى من الداخل أو تخوف من الوافد المنقول من الخارج، وثقتها بالنفس على دورها الحضاري في التاريخ منذ حضارات الشرق القديم حتى وراثتها دين الوحي ودين الطبيعة في مرحلة جديدة من تاريخ الحضارات الإنسانية. ويتم ذلك على النحو الآتي: (أ)
تحليل نص أرسطو وعرضه على العقل فما اتفق معه أخذ وما خالفه حذف تلقائيا وإكمال البنية العقلية حتى يظهر الجزء داخل الكل، وإعادة التوازن لها ضد أحادية الطرف، وفهم الموروث على جانبه العقلي والطبيعي في نظرة متكاملة وتعشيق الوافد عليه لاتفاقهما في العقل والطبيعة. (ب)
صفحة غير معروفة