234

من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق

تصانيف

ويظهر أسلوب الفقهاء في توقع السؤال والرد عليه سلفا، وتخيل الاعتراض والرد عليه مسبقا. كما يضرب المثل بزيد وعمر طبقا للعادة العربية لبيان الإضافة. وتظهر المقدمات والخواتيم الإيمانية من المؤلف أو الناسخ، وطلب الرضى له والرحمة عليه.

32 (3) تعاليق على العبارة

والعنوان الدقيق «من كتاب العبارة»، ولكنه أشبه بالتعليق. ويعني تقطيع القول لإعادة تركيبه على المعنى، وليس على اللفظ، من أجل تحويل الوافد الموروث، أرسطو من خلال الفارابي، إلى موروث إبداعي، والانتقال من مستوى الألفاظ إلى مستوى المعاني والأشياء. يقوم ابن باجة بالتعليق بمعنى التأليف في الموضوع، ابتداء نم الفارابي بعد أن تحول أرسطو من خلاله، ثلاثة أجيال فكرية، أرسطو والفارابي وابن باجة. يدرس ابن باجة الموضوع عند الفارابي الذي درسه من قبل عند أرسطو. ويدافع ابن باجة عن أبي نصر إذ ظن الناس أنه لم يعرض لإثبات الممكن. وهذا ليس من صناعة المنطق بل من المعلومات الأول. وقد جعل المتناقضين يقتسمان الصدق والكذب على غير التحصيل، وإلا تساوق الضروري والممتع، وارتفعت الرؤية والاستعدادات وبطل الممكن.

33

وتظهر أفعال القول في صيغ عديدة مع أفعال الظن والاعتقاد والكلام؛ فالظن هو الاعتقاد الشائع الذي يبدده التعليق. ويغلب على ضمائر أفعال القول، قوله «إشارة للفارابي»، «قولنا» إشارة لابن باجة، بالإضافة إلى الصيغ الأخرى. والتعليق كله حجاج وسجال ومحاجة، وردود على اعتراضات. ويظهر لنا التمايز بين المعلق والمعلق عليه وقوله.

34

كما يظهر مسار الفكر، مقدماته ونتائجه.

ومن الوافد يتعرض ابن باجة لجالينوس ثم أرسطو ثم بارمنيدس. ينقد ابن باجة جالينوس المنطقي في أنه جعل الموضوعات المتغيرة واحة، وأنه جعل ما بالجوهر بالعرض لذوات الطبائع المتغيرة. وقد ارتاب جالينوس كما ارتاب في شهادة الحس، مما يدل على ارتباط المنطق بالميتافيزيقيا. وإن أخطاء المنطق تعود إلى أخطاء في الميتافيزيقا. كما أبطل جالينوس الممكن في جعله المتناقضين يقتسمان الصدق والكذب؛ لأن الممكن لا ينقسم. والحقيقة أن جالينوس لم يقصد إبطاله بل نتج عنه ارتفاعه. وابن باجة ليس ضد جالينوس على طول الخط، ولكنه أيضا يدقق النظر، ويصحح العبارة، ويبين المجمل، ويحكم المتشابه كما يفعل الأصولي. كما طعن جالينوس على حد الممكن تذرعا بأنه يستعمل الممكن، وهو جهل لأن الممكن في قوله غير ممكن معناه موجود، والممكن المطلوب حده هو الطبيعة الزاهقة.

35

ويشير ابن باجة إلى القدماء لمعرفة أجناس القول التام، وهو خمسة: جزم وأمر وتضرع وطلبة ونداء. ويمكن أن تكون أكثر من ذلك على نحو آخر. وهو يشبه أقسام القول عند الأصوليين. كما يعرض لشك القدماء وأبطالهم أن يكون موجودا يحدث من موجود؛ لأن جميع ما يحدث قبل أن يحدث يكذب عليه «ليس بممكن»، فإذا كذب صدق «ممكن».

صفحة غير معروفة