من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
تصانيف
48
سادسا: التعليق كنوع أدبي مستقل
وكما بدأ التعليق كنوع أدبي من الترجمة وداخلها، فقد استقل عنها عند المترجمين مثل «تعاليق عدة على معان كثيرة ليحيى بن عدي» (364ه)، والتعليق لفظ من المؤلف كثر المحقق استعماله.
1
ويعني التعليق هنا بيان وجاهة ترتيب أرسطو قضايا الواجب البسيطة، وإيجاد مزيد من التعقيل والتنظير لها. ويحدث نفس الشيء في التعليق على باري أرمينياس، وشرح وجهة نظر أرسطو في ثنائيات السلب والإيجاب.
ويتحول التعليق من تطور للترجمة المعنوية، بالإضافة، من شرح إلى نوع أدبي مستقل عن الترجمة، أقرب إلى الشرح أو التلخيص أو الجوامع بتقسيم ابن رشد، والحد الفاصل بينها هو تسمية العمل نفسه؛ فقد سمى ابن باجة جزءا من تأليفه تعاليق مثل «تعاليق في الأدوية المفردة». وقد يشار إلى التعليق بمجرد القول أو الكلام. وقد لا يكون هذا ولا ذاك، إنما الحجم الصغير للتعليق، الذي قد يتشابك حينئذ مع التلخيص أو الجوامع. وقد يجمع كل هذا الشرح كنوع أدبي، بصرف النظر عن حجمه وطريقة التعامل مع النص المترجم.
2
ويلاحظ على التعاليق المنطقية تكرار التعليق أكثر من مرة على الكتاب الواحد، واختلاف الأسماء على الكتاب الواحد، وظهور نوع جديد من الارتياض؛ أي التمرينات، من أجل الاستيعاب والتمثل والتعليق على منطق اليقن لا منطق الظن. ويلاحظ على التعليقات الطبيعية التعليق على أجزاء من الكتب خاصة السابعة والثامنة، كما فعل ابن رشد مما يدل على الدقة وتقسيم الكتاب الواحد إلى أجزاء عدة، وعدم ذكر أسماء الحكماء والاكتفاء بأعمالهم التي استقلت عن أصحابها، باستثناء جالينوس مرة واحدة.
هل التعليق شرح على الوافد الموروث، في حين أن الشرح تعليق على الوافد المباشر، قبل أن يتحول إلى موروث غايته التوضيح والتصحيح، من أجل تراكم فلسفي في الوعي التاريخي؟ هو توضيح أمام النفس ونقل الوافد الموروث من عصر إلى عصر، بعد عمق الزمن واتساع الرؤية، فإذا كان الفارابي شارحا للوافد المباشر، فإن ابن باجة يكون معلقا على الشرح أو شارحا له أو مؤلفا فيه؛ فالتراكم الفلسفي يحدث في الوافد بعد أن يصبح موروثا قدر حدوثه في الموروث، مثل شرح ابن طفيل لحيي بن يقظان، في أسرار الحكمة المشرقية لابن سينا.
فهل قام أحد غير ابن باجة بشرح الشرح والتعليق عليه؟ وقد ترك ابن باجة تعاليق على معظم أعمال الفارابي، كنموذج للتواصل الفلسفي بين المغرب والمشرق. وهي تعاليق بالجمع لأنها تتعلق بجزئيات عديدة، وليست تعليقا واحدا، ويصعب التفرقة بين الوافد المباشر من أرسطو أو الوافد الموروث من الفارابي، نظرا لاتحاد الأسماء مثل إيساغوجي لفرفوريوس وللفارابي. ومع ذلك يمكن من السياق التمييز بين ما لأرسطو وللفارابي ولابن باجة. (1) تعاليق ابن باجة على كتاب إيساغوجي للفارابي
صفحة غير معروفة