قالت بتهكم: «نعم يا سيدي ...»
فتجاوزت عن لهجة السخرية، إذ حسبي موضوع واحد للخلاف، وقلت: «أولا، لماذا تظهر الفتيات لنا معاشر الرجال في الطريق إذا كن لا يردن أن ينظر إليهن أحد؟ ثانيا - وهذا أهم - لماذا يظهرن في حفل من الزينة إذا كان لا يرضيهن أن يدير الرجال فيهن عيونهن؟ ثالثا - وهذا هو الأهم - بأي وجه ألقى الله يوم القيامة إذا كنت أغمض عيني وأتكلف العمى ولا أنظر إلى مخلوقاته التي أبدعها؟ وقد خلق لي عينين فلا عذر لي، ورزقني غير ذلك وسائل القدرة على إدراك معاني الجمال في خلقه سبحانه! أليس من الواضح أن مما يخجلني يوم القيامة أنه تعالى خلقني بصيرا فآثرت العمى، ومحسا مدركا ففضلت الجهل والبلادة؟ ... وأخيرا - لا آخرا - ما الضرر على كل حال من النظر إلى الناس؟ ماذا خسرت الفتاة التي نظرت إليها؟ هل أنا أكلتها بعيني؟ هل نقصت شيئا؟ إني أراها على العكس قد زادت، نعم زادت، لماذا تنظرين إلي هكذا؟ هل نطقت كفرا؟ أقول لك: زادت لأنها استفادت إحساسا جديدا مؤيدا لإحساسها بجمالها، ولو كنت لم أنظر إليها لكانت خليقة أن يساورها الشك فيما تحس من نفسها أو تعتقد، فأنا قد أفدتها راحة البال واطمئنان الخاطر، وإني لجدير بالشكر على هذا، لا اللوم.»
فصاحت بي بعد طول الصمت: «طيب، اسكت بقى.»
فقلت - وأنا ضجر: «هكذا أنتن يا نساء؛ إذا أعوزتكن الحجة قلتن: طيب، اسكت بقى! ولكني لا أنوي أن أسكت «بقى»، فقد مرن لساني على الدوران، وأنا أحس اليوم أني أوشك أن أقول كلاما بديعا ...»
فصاحت بي: «أنا معك، فكيف تنظر إلى غيري؟»
فقلت - وقد فهمت: «آه! هذه هي المسألة، قولي هذا من الصبح يا ستي، نعم أنت معي ... وإنك لحسبي من عالم الجمال والفتنة، ولو وسعني غير هذا لما كنت حسبي، ولكني قانع غير متذمر؛ غير أنك - مع الأسف - لست كل النساء، وأنت تغنين عن جنسك أحيانا، ولكنك لا تستطيعين أن تغني عن هذا الجنس في كل حين، وليس ذنبي أنك قاصرة.»
فقاطعتني صائحة: «قاصرة؟ ... أشكرك.»
قلت: «نعم، قاصرة عن اختزال جنسك في شخصك الواحد.»
فأبت أن تسمع مني بعد ذلك، فقلت: «لا حول ولا قوة إلا بالله! الأمر لله ... سكتنا يا ستي، فلعلك مسرورة.»
ولكنها لم تكن مسرورة ولم تغفرها لي قط، وأنا أقول: تغفرها بغير تعيين أو تبيين، لأني والله لا أدري إلى هذه الساعة أي شيء أغضبها وأثار نقمتها علي.
صفحة غير معروفة