أطرش
ما عرفته - رحمة الله عليه - إلا قبيل غروب شمسه بقليل، شيخ عليه مهابة، ذو أبهة ووقار، يتدافع كالحجل المدل متى مشى، كريم جواد، وهاب نهاب، بيته ويده مفتوحان.
ظل شيخ صلح الأسكلة أكثر من نصف قرن وما تحلحل عن منصبه إلا لينزل في حفرته.
طرش شيخ البلد فقال الناس: ارتاح من سماع السب والشتم، وقال آخرون: لو عمي كنا استرحنا منه وانتخبنا غيره.
وكان إذا ما مر في السوق بعد الطرش وسبه أحد، أجابه: يسعد صباحك، وإذا شتمه آخر رد عليه: الحمد لله، وكيف حالك أنت.
وهكذا دواليك.
وعاد مهاجر غني وأراد أن يشتري عقارا في المدينة، فاعتل عليه الشيخ، ولم يعطه «الكشف» وبقي الرجل شهورا يروح ويجيء بلا جدوى، ولما أعيا قال لي: فلان صاحبك، خذ لنا منه «النمرة» وهذه عشرون ليرة إنكليزية تدفعها له.
كنت أعرف جيدا أنه يعيش من ختم المشيخة، فأخذت العشرين ذهبا ورحت، وما قابلته حتى صحت بأعلى صوتي: يا شيخ، من بعد أمرك واجهني كلمة.
فالتفت بابنه مستفهما، فأشار إليه، ففهم ومشى أمامي إلى «الخلوة»، ولما خلونا أشار بيده وقال: خير إن شاء الله.
فصحت بأعلى صوتي: فلان بعث لك معي عشرين ليرة إنكليزية.
صفحة غير معروفة