ولكنه لسوء الحظ لم يقم في مدرسة الحكمة إلا سنتين وبعض أشهر؛ لاستعار الحرب الكونية، وإقفال أبواب المدرسة في وجه طلابها.
ترك المدرسة مرغما في أواخر سنة 1914، وعاد إلى شرتون، ولشدة رغبته في العلم، كان أحيانا يؤم الصرح البطريركي الكاثوليكي في عين تراز؛ ليدرس على بعض الرهبان الأفاضل، ويتعلم منهم، ويمارس معهم التكلم باللغة الإفرنسية.
أقام مدة الحرب الكونية في البيت الأبوي، وبئس الذكرى ذكرى تلك الحرب المشئومة، التي كانت وبالا على لبنان وعلى الإنسانية جمعاء.
ولقد أخبرني أحد الثقات بأن أخي كان في ذلك الحين - رغما من صغره - يحنو على الفقراء ويؤاتيهم ، وكان يذهب بنفسه ويحمل قطعة من الخبز وصحفة من الحساء لجارة أنهكها المرض والجوع، وأقعداها عن العمل.
وحدثتني إحدى النسيبات أيضا - وهي لم تزل في قيد الحياة وقد عضها الجوع بنابه في أيام الحرب - بأن أخي كان دائما يزودها ببعض الأغذية لأولادها، ويعطيها كل ما تطلب منه.
نزوحه إلى المكسيك
عند انتهاء الحرب العالمية، كتب إلي إلى المكسيك بأنه يود السفر إلى حيث أنا نازل، أو الرجوع إلى المدرسة، فأجبته مشيرا عليه بأن يعود لإتمام دروسه، ثم خيرته بين طلب العلم أو السفر.
فأجابني مؤثرا السفر، وهذا ما قاله في إحدى رسائله:
يا أخي:
لا أرى بعد هذا السن من مسوغ للعودة إلى المدرسة؛ لأن موعد النزول إلى ساحة العالم قد حان، والعالم هو المدرسة الكبرى لمن بلغوا سني، وفضلا عن ذلك، كن على ثقة بأني سأساعدك في أشغالك مساعدة فعالة، وأتعلم منك ومن الناس الذين أعاشرهم ما ينقصني من العلم، هذه هي مقاصدي، سأقوم بها إن شاء المولى الكريم.
صفحة غير معروفة