وعرف، وتذكر ما كان من أمرها وأمره ... كم تمناها لنفسه وبات يرعى خيالها ليالي طويلة، ولكنه كان يزجر نفسه أن يؤمل الزواج منها، وأين فقره وإقلاله من ترفها وغناها؟
ومضى الفتى لوجهه، ومسحت الفتاة الدموع عن وجنتيها وقالت تعزي نفسها: «لقد تزوج، فما أسفي على ذاك؟ إنني لجميلة، وإنني لغنية، وإن الشبان ليسرعون إلى ذوات الجمال والمال.»
وأطافت برأسها أحلام، وزينت لها الأماني دنيا بهيجة من الخيال أفعمتها أنسا وسعادة، واستنامت إلى المنى، تصبح وتمسي حالمة الخاطب المجهول.
وتصرمت الأعوام عاما بعد عام، وهي تعيش من أحلامها في رضا وقناعة، وحسبها من مسرات الشباب أنها توقظ كل يوم واحدا من شباب أحلامها تساقيه المنى وتبادله الحب، فإذا انتهت من أحلامها السعيدة فإلى حين، كأنما هي من حبيبها النائم على ميعاد!
وأخذت زهرات الربيع تنتثر أوراقها دامية على الشوك؛ لأن البستاني يحول دون اليد التي تمتد إليها فتشعرها أنها جميلة، ولكن بقيت على ثغر الزهر ابتسامته الناعمة؛ لأنه من أحلامه على رضا وقناعة.
لشد ما كان يعجب شباب الناحية بها! فما يحلو لهم سمر إلا بالحديث عن جمالها وفتنتها، وما يطيب لهم مجلس إلا بذكر كمالها وشمائلها، ولكنها على ما حلت من نفوسهم أكرم منزلة، لم تبلغ أن تكون موضع الأمل عند واحد منهم في أن تصير زوجته. لقد تقاصرت دونها المنى، من إبائها، وغناها، وحرص أهلها على التقاليد.
ومن أين لغير القليل من الشبان أن يرضي طموحها؟ من أين له المعجزة المالية ليؤدي لها المهر الذي ترضاه، وينفق في أكلاف العرس ما يرضي التقاليد؟
وطالت الأيام على العذراء الحالمة، وبدأت تمل وحدتها الفارغة، وأخذت تسيء الظن بجمالها وفتنتها، ولم تجد غير المرآة تبثها خواطرها، فتعودت الجلوس إليها الساعات كل يوم تبادلها الرأي فيما تظهر به أكثر جمالا وفتنة، لعلها أن تجد بذلك رجلها الذي تحلم به.
أفتستطيع المرآة أن تمنحها الزوج إن منحتها الجمال؟ واستيقظت من أحلامها حين توالت عليها الأنباء بأن صواحبها اللاتي كانت تسخر منهن وتزهى عليهن بمالها وجمالها قد تزوجن واحدة بعد أخرى واستقرت بهن الحياة في بيت الأمومة.
وهذه صديقة أخرى تتزوج. لقد طالما هزئت بفلانة جارتها وزميلتها في المدرسة، وما أكثر ما كانت تركبها بالدعابة الثقيلة والنكات اللاذعة حتى تطفر من عينيها دموع الذلة والانكسار! لم تكن فلانة هذه في مثل جمال صاحبتها، ولا لها قليل من جاه أبيها أو ماله، ولكن ها هي ذي تتزوج وتعزف لها الموسيقى، وما تزال هي تنتظر!
صفحة غير معروفة