ومضى صديقي في حديثه: «وأجمعت أمري على أن تكون لي؛ فما يرضيني أن لي بها كل متاع الدنيا، لقد وجدتها وهي حسبي من دنياي ...!
وراح الرسول عن أمري يؤامرها ويرود لي الطريق، وكتم عنها اسمي وخبري ومكاني بين الناس، فما كان إلا أن سألته: وكم يبلغ مرتبه في الشهر؟
وأجابها الرسول، فضحكت ساخرة وقالت: اثني عشر جنيها؟ يا له من عروس! فكم يعطي الطباخ وكم يعطي السواق ...؟
وعاد إلي الرسول بجوابها ...!»
وأطرق صديقي برهة، ثم رفع رأسه وشفته تختلج وفي عينيه بريق. وابتسمت ثانية، وقلت: «فما غضبك يا صديقي مما قالت؟ إن لها في الحياة ميزانها الذي تقيس به أقدار الرجال، وإن للحياة موازينها، فما ضرك أن تكون في ميزانها ما تكون وأنت أنت؟ إن معك الشباب والقوة، وإن لك غدا يبتسم ويرف، وإن دما في أعراقك يتحدث به التاريخ؛ فهل يخدعك عن كل أولئك أن فتاة تقول ...؟»
وأمسكت عن تمام الحديث، فقد رأيت في عيني صاحبي ما قطعني وردني إلى الصمت.
وعاد إلى حديثه: «وددت يا صاحبي لو لم يكن كل أولئك وكانت هي ...!»
ورأيتني منه على حال لا يجدي معها إلا أن أسكت، فسكت. وودعني صديقي بالوجه الذي لقيني به، ومضى لشأنه.
يا للشباب من سلطان الحب!
ولقيته بعد ذلك مرات، ولكنه كان شابا غير من أعرف.
صفحة غير معروفة