246

من حديث النفس

الناشر

دار المنارة للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الثامنة

سنة النشر

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

مكان النشر

جدة - المملكة العربية السعودية

تصانيف

الحق والقوة في غير ظلم، والنظام الكامل من غير أن يفقدكم النظام شخصياتكم واستقلالكم.
كنت أذكر ما كنت أستاء منه في المدرسة مما كان يصنع معنا معلمنا، فلا أصنع معكم منه شيئًا: كنّا نفر من المدرسة لأننا لا نجد فيها إلا جبّارًا عاتيًا عَبوس الوجه قوي الصوت بذيء الكلمات، فجعلتكم تحبون المدرسة لأنكم تلقون فيها أبًا باسمًا شفيقًا يحبكم ويشفق عليكم، ويحرص على رضاكم كما يحرص على نفعكم.
وكنا نكره الدرس لأننا نجده شيئًا غريبًا وطلاسم لا نفهمها ولا ندرك صلتها بالحياة، ونعاقَب على إهماله ونجازَى على الخطأ فيه، فجعلتكم تحبون الدرس لأنكم ترونه سهلًا سائغًا، تدركون صلته بحياتكم وفائدته لكم، وتحفظونه لأنه لازم ومفيد لا خوفًا من العقاب ولا هربًا من الجزاء.
وكنا ننتظر المساء لننجو من المدرسة، لأننا نُسجن فيها سجنًا لا نستطيع أن نميل أو نتلفت أو نتكلم، ولا نسمع من الأستاذ إلا عبارة الدرس المبهمة وألفاظ الشتائم المؤلمة. فجعلتكم تكرهون المساء لأنه يفصلكم عن المدرسة التي تقولون فيها ما شئتم من طيب القول، وتفعلون ما أردتم من صالح العمل، وتقرؤون ما زلتم نشيطين للقراءة، فإذا مللتم من الدرس سمعتم قصة لطيفة ونكتة حلوة، هي أيضًا درس من الدروس، ووجدتموني أحادثكم كما أحادث الرجال لا الأطفال. كنا نشعر بأننا أذلاء في المدرسة لأننا لا نقدر أن ندافع عن حقنا أو نطالب بما لنا، وإذا قلنا كلمة فالعصا نازلة على رؤوسنا، أو رددنا على المعلّم لفظة فالبلاء

1 / 264