فالدين كله داخل في العبادة وقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة أعرابي فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه بذلك ثم قال في آخر الحديث: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»(1) فجعل هذا كله من الدين، والدين يتضمن معنى الخضوع والذل، يقال دنته فدان أي أذللته فذل، ويقال ندين الله وندين لله، أي نعبد الله ونطيعه ونخضع له، والعبادة أصل معناها الذل أيضا يقال: طريق معبد أي كان مذللا قد وطئته الأقدام.
لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله، وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة، وما عظم لغير الله فتعظيمه باطل ، فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قلوبهم ومصرف أمورهم لا رب لهم غيره.
ولا مالك لهم سواه، ولا خالق لكل شيء ومسخره ومدبره إلا هو، فإذا عرف أن الله ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه ومحتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله، وهذه العبادة متعلقة بالإلهية لله تعالى ولهذا كان عنوان التوحيد (لا إله إلا الله) بخلاف من يقر بربوبية الله ولا يعبده أو يعبد معه إلها آخر، فالإله هو الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك، وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله وأنزل كتبه.
صفحة ٤