17 - أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله البزار الشيخ الثقة، أنبأ أبو القاسم عيسى بن علي بن داود بن الجراح الوزير، أنبأ القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب بن عيسى، ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن بن حميد بن منهب بن حارثة بن خريم بن أوس بن حارثة بن لام الكوفي ببغداد سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني عم أبي زحر بن (ق149أ) حصن، عن جده حميد بن منهب، قال: حدثني عمي عروة بن مضرس، قال فحدث مخرمة بن نوفل، عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون، أقلحت الضرع، وأرقت العظم، فبينما أنا راقدة اللهم أو مهومة إذ أنا بهاتف يصرخ بصوت صحل، يقول: يا معشر قريش، إن هذا النبي المبعوث صلى الله عليه وسلم منكم، قد أظلتكم أيامه، وهذا إبان نجومه، فحي هلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا، عظاما جساما، أبيض بضا، أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشم العرنين، له فخر يكظم عليه، وسنة تهتدي إليه، فليخلص هو وولده، ليهبط إليه من كل بطن رجل فليشنوا من الماء، وليمسوا من الطيب، وليستلموا الركن، ثم ليرتقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل، وليؤمن القوم فغثتم ما شئتم. فأصبحت علم الله مذعورة، قد اقشعر جلدي، ودله عقلي، واقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة، فوا الحرمة والحرم ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد. وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قيس، واطفقوا حوله ما يبلغ سعيهم (ق150ب) (1) مهلة، حتى إذا استووا بذروة الجبل، قام عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام قد أيفع، أو كرب، فرفع يديه فقال: " اللهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت معلم غير معلم ومسئول غير مبخل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم وأمطرن غيثا مغدقا مرتعا. فورب الكعبة ما راموا حتى تفجرت السماء بما فيها، واكتظ الوادي بشجيجه، فسمعت شيخان قريش وجلتها: عبد الله بن جدعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء، أي: عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل سحا، فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائره وخير من بشرت يوما به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به ما في الأنام له عدل ولا خطر.
صفحة ١٨