48
تتحول أحكام العقل الثلاثة إلى علاقة الاستغناء بالافتقار، وهي علاقة عبادة، ويصبح واجب الوجود هو المستحق للعبادة، ثم يفسر التوحيد كله بتحليل «لا إله إلا الله»، وتحديد معنى الألوهية باستغناء الله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه. وهذا استغناء طرف وافتقار طرف آخر مما أعطى عصرنا الاعتماد الكلي على المجهول واستغناء المجهول عن العالمين. يصاغ التوحيد كله في هذه العلاقة الآحادية الطرف. فأوصاف الذات الستة وهي أوصاف السلوب تعني استغناءه عن كل ما سواه. وتدخل كل الأوصاف في هذه العلاقة غير المتكافئة بين الأطراف بما في ذلك حدوث العالم الذي يعني أيضا استغناءه عن كل ما سواه. كانت الألوهية أولا واجب الوجود عندما كان العصر عصر قوة واستقرار، ثم أصبحت مصدرا للعون في عصر الاضمحلال والتخلف وفي مجتمع العوز والفقر والحاجة حتى أصبحت علاقة الاستغناء بالافتقار عند القدماء تمثل أكبر دعامة في عصرنا للعلاقة بين الأغنياء والفقراء.
وفي الحركات الإصلاحية الحديثة يتم تحويل التصور النظري للذات والصفات إلى جهد عملي وتحقيق وممارسة، فلا تظهر الأبنية أو التصنيفات أو العد والإحصاء للأوصاف والصفات. ويصبح التوحيد هو «حق الله على العبيد» وما يتطلبه من عمل، وهو نفس الوقت واجب العبيد. تظهر بعض المسائل القديمة كعقائد إيمان، وتصاغ بعض العبارات الإنشائية التي تمس الذات والصفات دون بناء مذهبي، مثل النهي عن الشرك. فالتوحيد عملية التوحيد إيقافا للشرك في السلوك العملي للأفراد. فكأن حركة الإصلاح تنشأ من صفة الوحدانية بنفي ضدها وهو الشرك. والشرك هو الشرك العملي وليس مجرد الرد على الثنوية. ولا يظهر إلا نادرا، مرتين أو ثلاثا، ذكر الصفات المعنوية الحسية كاليد والعرش في آخر «كتاب التوحيد».
49
والسؤال الآن: إذا كان التوحيد هو حق «الله» على العبيد فأين واجب العبيد بالنسبة إلى «الله»؟ وأين حق العبيد بالنسبة للأئمة والحكام وحق البشر على أولي الأمر؟ وأين واجب الأئمة والحكام بالنسبة للعبيد؟ نظرا لغياب هذا التساؤل تحولت الحركة الإصلاحية في الواقع إلى نظام تسلطي يقوم على حكم الفرد المطلق والذي يدين له الجميع بالطاعة والولاء. وفي حركة إصلاحية أخرى أكثر استنارة تسقط نظرية الذات والصفات والأفعال ويتم الانتقال من أحكام العقل الثلاثة - الواجب والممكن والمستحيل - إلى ذكر أوصاف الواجب في نفس الاتساق الوجودي. فلا يذكر إلا القدم والبقاء وهو التركيب. وتذكر صفات الذات قبل أوصافها. ومن الأوصاف لا تذكر إلا الوحدة. ثم ينتهي مبحث الصفات في بيان استحالة معرفة كنه الله. ثم يتوارى التوحيد كله أمام النبوة، وهي الرسالة العامة.
50
وفي حقيقة الأمر ليس للصفات بنية ولا إحصاء، بل تعبر عن أفضل ما لدى الإنسان من صفات تزيد أو تنقص. وقد عرض القدماء للمسألة دون تطويرها، وذلك بالسؤال عن أقصى وصف تتميز به الذات، وهل هناك صفات أخرى لا نعلمها إذا ما تم حصر الصفات السلبية والثبوتية.
51
لقد منعه البعض لأنها لو كانت صفة كمال فعدمها نقص، ولو كانت صفة نقص فثبوتها ممتنع. وقد فضل البعض الآخر التوقف عن الحصر.
52
صفحة غير معروفة