66
الصفات إذن مجرد أسماء عبر الشعور الناطق عن عملية التنزيه وعن حالاته دون أن يشير بها إلى أي مضمون شعوري أو إلى أي وجود واقعي. فكل الصفات هي في الحقيقة أسماء أو ألفاظ صاغها الشعور للتعبير بها عن عملياته. هي أقوال أو عبارات تدل على موقف ذاتي خالص تعبر عن أماني وعواطف إنسانية دون أن تشير إلى شيء في الواقع.
67
لكن نظرا لشدة العواطف وصفاء التنزيه تخلق الكلمة الشيء، وتتحول الذاتية إلى موضوعية تحولا ذاتيا افتراضيا خالصا وليس تحولا حقيقيا بالفعل. والحقيقة أن مشكلة الذات والصفات (والأفعال) لا يمكن حلها إلا بالرجوع إلى مصدر المشكلة في الحياة الإنسانية على مستوى التجربة الشعورية لا على مستوى الافتراض بالخيال. فالقسمة إلى ذات وصفات لا تصف شيئا في الواقع، بل تعبر عن قسمة إنسانية خالصة موجودة في الحياة الإنسانية، ثم استعملها المتكلم كوسيلة للتعبير عن عواطف التأليه. ولما كان الذهن الإنساني في الحكم يقوم على الهوية والاختلاف، أصبح السؤال: هل الصفات عين الذات أم زائدة على الذات؟ وبصرف النظر عما يتضمن اختيار أحد الحلين بالنسبة إلى التنزيه والتشبيه أو بالنسبة إلى الحرية والجبر أو بالنسبة إلى استقلال الطبيعة أو تبعيتها، فإن بناء المشكلة ذاته بناء إنساني أسقطه الإنسان إلى أعلى كي يسمح له بالتعبير عن عواطف التأليه. ففي علم الشخصية هناك ما يسمى بالشخصية وسماتها. الشخصية هي الحامل المعنوي لسماتها، أو هي افتراض إنساني خالص يسمح بتجميع عديد من السمات والأفعال عليه كالنواة في الذرة التي تدور حولها الكهربات أو كلب الزهرة الذي تدور حوله الأوراق، علاقة المركز بالمحيط. وفي علم الأخلاق في تراث معاصر لنا خرجت مذاهب أخلاقية تقوم على الذات أو الشخص كقيمة مستقلة بذاتها بصرف النظر عن صفاتها وأفعالها. فالإنسان من حيث هو إنسان قيمة في ذاته والصفات زائدة عليها . وكيف يمكن تقييم الكل بالجزء؟ وفي تجربة الحب الإنساني تظهر مسألة الذات والصفات. هل يقوم الحب بناء على اعتبار الذات وحدها بصرف النظر عما للحبيب من صفات وأفعال، أم أن الحبيب هو مجموعة من الصفات والأفعال لأجلها صار حبيبا، فإذا ما تغيرت تغير الحب؟ الحب القائم على الذات بصرف النظر عن الصفات والأفعال حب مجرد منزه، يعتبر الصفات والأفعال زائدة على الذات، في حين أن حب الصفات والأفعال قائم على التوحيد بين الذات والصفات وعدم افتراض ذات وراء الصفات أو اعتبار صفات زائدة على الذات. وفي موقف الخصام يسهل الفصل بين الحبيبين في حالة حب الصفات والأفعال. ما دامت الصفات والأفعال قد تغيرت فإن الحب يتغير أو ينتهي. في حين أنه في حالة حب الذات المستقلة عن صفاتها وأفعالها لا يمكن الفصل بين الحبيبين لأن حب الذات مستقل عن الصفات والأفعال. ومهما تغيرت الصفات والأفعال يبقى الحب، حب مجرد منزه، حب للذات الخالدة. وفي القانون الجنائي يقوم الحكم بالإعدام على افتراض أن الذات مساوية للصفات والأفعال. فإذا كانت الصفات والأفعال خارجة على القانون، فإنه يقضي على الذات بإعدامها لأنه لا توجد ذات وراء الصفات والأفعال. ويقوم نفي الإعدام على افتراض أن الصفات والأفعال زائدة على الذات، وأنه مهما بلغت الصفات والأفعال من خروج على القانون إلا أنه لا يمكن القضاء على الذات لأن الذات قيمة مطلقة لا يمكن مساواتها أو معادلتها بما هو أقل منها، أي صفاتها وأفعالها. والتوحيد بين الذات والصفات وإنكار وجود صفات وأفعال زائدة على الذات يقوم على العدل دون الرحمة. ففي مواقف الحب أو العقاب معاملة الحبيب أو المذنب على أن ذاته مساوية لصفاته وأفعاله معاملة تقوم على العدل دون الرحمة. لذلك يحب الحبيب أو يخاصم ويعاقب المذنب. في حين أن الفصل بين الذات والصفات وإثبات ذات وراء الصفات والأفعال يقوم على الرحمة دون العدل. ففي مواقف الحب أو العقاب مهما تغيرت صفات الحبيب لدرجة الصفات المضادة، فإنه لا يمكن أن يهجر؛ لأن له ذاتا مستقلة . ومهما بلغت صفات المذنب وأفعاله من استهجان، فإنه لا يمكن أن يعدم لأن له ذاتا مستقلة. ويقوم تصور العدل والرحمة في الآخرة أيضا على هذا الأساس. فالعدل يقوم على اعتبار أن الذات هي عين الصفات، ومن ثم يتم تقييم الذات حسب صفاتها وأفعالها، في حين أن الرحمة تقوم على أن الذات مستقلة عن الصفات والأفعال، وأنه بالرغم مما قد يكون للذات من صفات وما تأتي به من أفعال فإنه لا يمكن تقييمها بها، وإصدار الحكم عليها.
68 (4) هل الصفة حال أو علة؟
وإثبات الأحوال هو أحد الحلول المتوسطة بين إثبات الصفات ونفيها. فالعلمية حال وليست صفة.
69
ويظهر الحال لأول مرة لحل مسألة إثبات الصفات أو نفيها على أنها أول قاعدة في إثبات الصفات وفي نفس الوقت أحد أسس نفي الصفات! والأحوال ليست أقرب إلى حكم الإثبات منها إلى حكم النفي لأن الحال وسط بين الوجود والعدم. فأصحاب الإثبات يجرون الحال نحو الإثبات، أصحاب النفي يجرونه نحو النفي.
70
والقول به ليس أثرا من النصارى بل يخضع لضرورة داخلية صرفة للاختيار بين أحكام الصفات وإيثار اعتبارها أحوالا، فلا هي ذاتية خالصة ولا هي موضوعية خالصة، بل إحالة متبادلة بين الذات والموضوع.
صفحة غير معروفة