ولا يكون الإسقاط للثواب على الإطلاق حرصا على منفعة العباد، لكن يكون الإسقاط للعقاب وحده، بل إن الإحباط والتكفير ليسا إسقاطا للثواب، بل هو إسقاط للعقاب برفع ما يعادله من الثواب. العفو إذن بهذا المعنى وفي هاتين الحالتين ممكن بعد الموازنة والتوبة، وليس قبلهما؛ وبالتالي يكون مشروطا بالحسنات التي توافي السيئات في حالة التكفير، أو في حالة عقد العزم والنية في حالة التوبة. وما فائدة التوبة إذا تمت المغفرة دونها؟ لا يحدث العفو قبل الندم، ولا تقع المغفرة قبل التوبة؛ لأن فعل الله مشروط بفعل الإنسان وتال له. وإذا جاز العفو عن الصغائر بلا توبة، فإنه لا يجوز العفو عن الكبائر دونها.
20
ولا يكون العفو بإطلاق، بل بتخصيص كل حالة على حدة. وإذا جاز العفو في ذنب في حق الله فهذا حق الله في العفو عنه. أما الذنب في حق العباد فالعفو عنه لا يكون بلا تعويض.
21
وهل يستوي العفو عن الحاكم والمحكوم، وعن الغني والفقير، وعن القوي والضعيف، وعن الظالم والمظلوم، وعن القاهر والمقهور؟ (أ) الموازنة (الإحباط والتكفير)
ويعتمد القول بالموازنة على ربط آيات الوعيد بآيات العفو،
22
وتعني وضع الحسنات والسيئات، الطاعات والمعاصي، في ميزان واحد؛ فإذا رجحت الحسنات والطاعات يخصم منها السيئات والمعاصي، وهذا هو التكفير؛ وبالتالي يسقط العقاب ويدوم الثواب. أما إذا رجحت السيئات والمعاصي فإنه يخصم منها الثواب، فينقطع الثواب ويدوم العقاب، وهذا هو الإحباط. وقد تدخل التوبة مع الموازنة في التكفير الشامل. والإحباط والتكفير هما أساس مغفرة أهل الكبائر، وهما للأعمال وليسا للتصورات؛ فالإيمان لا يكفر السيئات، والكفر لا يحبط الأعمال. وكلاهما يحدثان في حياة الإنسان وليس بعد الموت، في الدنيا وليس في الآخرة؛ فالدنيا دار استحقاق. وكلاهما يحدث بالنسبة لاستحقاق الثواب والعقاب في الآخرة وليس في الحدود الدنيوية، وإلا لتعطلت الحدود.
23
ويثبت الإحباط والتكفير نتيجة للتخليد والدوام؛ فالمكلف إما أن يستحق الثواب فيثاب، أو يستحق العقاب فيعاقب، أو لا يستحق الثواب ولا العقاب، فلا يثاب ولا يعاقب، وهذا محال، وقد يستحق الثواب والعقاب، فيثاب ويعاقب دفعة واحدة، وهو محال أيضا؛ وبالتالي لم يبق إلا أن يؤثر الأكثر في الأقل، وهو المطلوب.
صفحة غير معروفة