56
أما الصفة الثالثة وهي التدبير، فإنها تتعلق بتجهيز الجيوش وسد الثغور وحماية الحدود دفاعا عن البلاد وردا للاعتداء. وتتطلب شجاعة وإقداما في الحرب، وجرأة مراسا فيها دونما لين أو هوادة أو صلح واستسلام وموالاة للأعداء بدعوى السلم أو طلبا للسلام.
57
وكما يتعلق التدبير بالخارج يتعلق بالداخل كذلك؛ أي عدم التهاون في تنفيذ أحكام الشريعة، وإنصاف المظلوم، ورد الحقوق. فإذا ما أخذ الناس حقوقهم طالبهم الإمام بواجباتهم، طبق الحدود وقطع الرقاب. ومن التدبير أن يكون عالما بشئون الأمة وأحوالها، وألا يولي في الأعمال الكبار العمال الصغار؛ حتى لا يطمعوا ويصبحوا عبيدا للوظائف يسهل شراء ذممهم حفاظا على مناصبهم.
58 (2-4) هل تجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل؟
وهو نفس السؤال: هل يجب أن يكون الإمام أفضل الناس؟ ومسألة الأفضل والمفضول ليست مسألة صفات فردية يتمتع بها الإمام، ولكنها مسألة تشير إلى بعض المواقف السياسية التي يتحتم فيها الاختيار بين قائدين، أحدهما يمثل الأقلية المثلى، والآخر يمثل الأغلبية الأقل مثالية. وهو الموقف السياسي المعروف باسم الجذرية والوسطية، أو التشدد واللين، أو المبدئية والعملية، أو الحق النظري والإمكانية الواقعية. فالأفضل في هذه الحالة حق نظري؛ أي تمسك بالمبدأ، ورفض لجميع الحلول الوسطية أو المساومة على الحق. ويسهل إيجاد أخبار ظاهرة متواترة المعنى لتأييد ذلك. وإذا كانت الإمامة من أعظم الأمور فإنه لا يليها إلا الأفضل، وولاية المفضول في هذه الحالة قبح عقلي. ويتفق ذلك مع إجماع الأمة في الصدر الأول على طلب الأفضل، فالإمامة لا تنعقد للمفضول مع وجود من هو أفضل منه. فإن عقدت للمفضول كان أقرب إلى الملوك منه للأئمة .
59
وهي حال اختيار تاريخي وجدت بالفعل في شخص معين كان أفضل الناس، وكان الأئمة أيضا ممثلين في الخلفاء الأربعة كذلك.
60
إمامة الأفضل إذن حق نظري وواقع تاريخي في آن واحد. ومع ذلك قد تجوز إمامة المفضول في حال التعارض بين الحق النظري والواقع العملي، وصعوبة تحويل الأول إلى الثاني. وفي هذه الحال يلزم رضاء الأفضل وقبوله عن طيب خاطر تولية المفضول. وقد يستند في ذلك أيضا إلى حجج عقلية وواقعية إن غابت الحجج النقلية؛ فالأفضل لا يعرف إلا بالظن في ظاهر أمره، ولا يمكن معرفته يقينا في باطنه، ولا يمكن معرفته إلا بنص أو إجماع أو معجزة، وهو مستحيل الحدوث، وقد تفرق الفضلاء في البلاد بحيث لم يعد يحصرهم مكان أو يحدهم زمان، وإن اختلاف الناس وتباينهم في الفضل يجعل من الصعب إيجاد مقاييس لاختيار الأفضل بالرغم من وجود البعض منها، مثل الأزهد والأورع والأسوس والأشجع والأعلم، وهو في النهاية تكليف ما لا يطاق. وإذا كانت الإمامة وظيفة تشريعية عملية وليست نظرية، فيكفي المفضول إذا كانت له القدرة على الممارسة العملية وإن كان أقل علما. وإذا كان النبي أفضل الأمة، وكان لا بد للإمام أن يكون الأفضل، فإن الإمامة تستحيل بعده لعدم وجود من هو أفضل من النبي. وإذا ما وقع الإجماع على المفضول فهو الإمام؛ لأن الأمة لا تجتمع على خطأ.
صفحة غير معروفة