56
ولا بد من شهود حتى يحضر العقد للإمام قوم من المسلمين أسوة بالعقود والشهود عليها، وإلا ادعى عقدا سريا لا يعلمه أحد. وليست الإمامة بأقل من النكاح الذي لا يتوافر فيه الإعلان. والإمامة خطب عظيم، وأمر جلل تعم به البلوى، ويمس كل المؤمنين. ولا يوجد حد معين للشهود، أربعة أو غير ذلك أو أكثر كما هو الحال في عدد العاقدين، يكفي الشهود العدل، أو العدد الذي به تتحقق شهادة العدل.
57 (2-3) الواقع التاريخي
يثبت تحقق الإمامة في التاريخ أنها كانت من أوائل الموضوعات التي نشأ حولها الخلاف إن لم يكن أولها على الإطلاق، ويدل ذلك على نشأة علم أصول الدين كله نشأة سياسية.
58
وقد تم تفسير الواقع التاريخي بطرق متعددة، كل منها يفهمه طبقا لنظريته المسبقة التي تدعم اختياره وتقوي موقفه. ومع ذلك يبدو بعض التناقض بين النظرية وتفسير الحدث التاريخي.
59
فإذا كانت الإمامة عقدا واختيارا، فإن الإمام الأول يكون قد تم تنصيبه بناء على إجماع الأمة ورضا المسلمين به، وليس بنص من الله أو بتوقيف من الرسول، سواء كان نصا جليا أم إشارة يقاس عليها مثل إمامة الصلاة. ويمكن أن تكون أفعاله ضمن شروط الإمام مثل قتال أهل الردة. إن كل الحجج النقلية هي في الحقيقة تركيب للنصوص على فرد معين، واستعمال لنص الوعي كنبوءة أو توجيه، ثم اختيار واقعة تاريخية معينة كتحقيق لهذه النبوءة، وتحقيق لهذا التوجيه. وذاك خطأ في التفسير؛ إذ لا يجوز إسقاط الحاضر على الماضي وقراءته فيه، فليست مهمة نص الوحي الإخبار عن المستقبل، بل تأسيس نظرية. ولا يتم اختيار واقعة معينة إلا بناء على مصلحة أو هوى، أو طبقا لرغبة واختيار إنساني؛ مما يجعل الواقعة هي المفسرة للنص، وليس النص هو المفسر للواقعة.
60
والحق أن البيعة تجب النص، فالنص لا يعين أحدا، خاصة لو كان نص الوحي، وحتى لو كان متفقا مع البيعة. فالإمامة عقد واختيار كأساس نظري في الوحي وفي الواقع. وعلى هذا الأساس تم اختيار الخليفة الأول بإجماع الأمة بعد أن توافرت شروط الإمامة فيه.
صفحة غير معروفة