وبعد تكفير المخالفين يتم الرجوع إلى الوراء تدريجيا حتى يتم تكفير كل الأئمة السابقين، بل قد يبلغ الأمر تكفير الإمام نفسه إن لم يحارب مخالفيه، ويكون مرتدا عن الدين!
11
وقد يكون الإمام الجديد قد أخطأ نسبيا أو كليا؛ فهو وإن كان قد أصاب في قتال مخالفيه إلا أنه أخطأ أنصاره الخارجين عليه، وكان يمكنه أن يكون أكثر رفقا بهم، ولكن بوجه عام كانت الحرب مفروضة عليه.
12
أما قلب الآية وتخطئة الإمام الجديد وتصويب مقاتليه فيصعب فهمه. وإن طلب القصاص من قتلة الإمام السابق هو تحويل للقضية العامة إلى قضية خاصة، ورد مصلحة الأمة إلى مجرد قصاص. والحقيقة أن تخطئة الإمام الجديد إنما كان مطمعا في السلطة مع أخذ القصاص من قتلة الإمام السابق ذريعة وستارا، وهو ما عرف في التاريخ باسم «قميص عثمان»، وفي وقت الفتنة والشقاق، كأن موضوع القصاص أخف وطأة من وحدة الأمة. ولما كان القصاص يتم بالإمام فإن قوة الإمام ووحدة الأمة وراءه تكون دافعا لتنفيذ الحد، وإلا كان الإمام أضعف من خصومه، وكان خصومه أقوى منه.
13
أما الاختيار الثالث، وهو القول بفسق مرتكب الكبيرة، فإنه احتمال نظري أيضا، وليس خروجا على الإجماع؛ لأنه لم ينعقد إجماع على مرتكب الكبيرة والواقع التاريخي، وكانت الأمة منقسمة إلى قسمين، ومختلفة في حكمين، الإيمان والكفر.
14
ففي النزاع بين الإمام وخصومه أحدهما، دون تحديد أيهما، فاسق. والحقيقة أن هذه حيطة تجعل الإمام الشرعي وخصومه الذين ينازعونه الشرعية على المستوى نفسه، كما أنها تجعل الإمام الشرعي موضع احتمال في الفسق، كما أن عدم التعيين هو موقف نظري صرف وليس موقفا عمليا، وكأن السياسة علم رياضي لا يتطلب موقفا أو حكما. ولما تلاعن الفريقان وأقسم أحدهما على تكذيب الآخر لا بد أن تسقط شهادتهما؛ فإذا لم يكن الحل الوسط رياضيا، وكان أقرب إلى هذا الطرف أو ذاك، فيمكن أن تصح توبة خصوم الإمام لأنهم من أهل بدر؛ أي ذنوبهم مغفورة نظرا لقتالهم من أجل نصرة الحق أولا، فكان جزاؤهم الجنة. كما أنه لا يصح ذم الصحابة أو ذكرهم بسوء. وقد يمتد الأمر إلى جعل الجميع مغفوري الذنوب مقبولي التوبة بما فيهم الإمام؛ وبالتالي يوضع الإمام من جديد على المستوى نفسه مع خصومه؛ لذلك يمكن تولي كل فريق على انفراد دون ضرب أحدهما بالآخر، إيقادا لنار الفتنة، وضربا للمؤمنين بعضهم بالبعض الآخر.
15
صفحة غير معروفة