من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة

حسن حنفي ت. 1443 هجري
178

من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة

تصانيف

ويغلب على كل فرقة موضوع أو أكثر؛ فمثلا يغلب على الخوارج موضوعا الإمامة والإيمان والعمل؛ مما يدل على الطابع العملي لفكر الفرقة، وليس الطابع النظري كما هو الحال في الذات والصفات أو الجبر والاختيار؛ لذلك أسست الفرقة فقها ونظمت تشريعا. والأهم من ذلك كله هو انتظام الفرق كلها في أصول بصرف النظر عن عددها. فإذا كانت الأصول أربعة؛ التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والإيمان والعمل؛ وكانت أمهات الفرق أربعا؛ الشيعة والخوارج والمعتزلة ومرجئة (أشاعرة)، ثلاثة للمعارضة وواحدة للسلطة؛ اختلفت الشيعة والمعتزلة في التوحيد، والمرجئة والخوارج في الإيمان والعمل، والمرجئة والمعتزلة في الوعد والوعيد، والشيعة والخوارج في الإمامة.

96

كل حل لمشكلة ليس قائما بذاته، بل يؤدي إلى حل المشكلة الأخرى بالطريقة نفسها؛ فإنكار الصفات يؤدي بالضرورة إلى ترك العالم مفتوحا إلى فعل الإنسان وحرية اختياره، كما يؤدي بالضرورة إلى إعمال العقل وإثبات قوانين مطردة للطبيعة. أما إثبات الصفات فإنه يؤدي إلى إثبات فاعليتها في الطبيعة ، ومزاحمة الفعل الإنساني ومشاركته، وإلى تصور الطبيعة ميدانا للصفات المطلقة، والعقل واقفا وراء النقل؛ أي نافيا لاستقلال العقل والطبيعة. (3-2) الشعور الجدلي (التاريخي)

يكشف الشعور المذهبي البنائي على أن الفرق موضوعات، وأن الموضوعات أصول، وأن أمهات الفرق تدخل في جدل بينها حول هذه الأصول؛ فالمعتزلة والشيعة على طرفي نقيض في التوحيد، والشيعة والخوارج على طرفي نقيض في الإمامة، والخوارج والمرجئة على طرفي نقيض في الإيمان والعمل، والمعتزلة والمرجئة على طرفي نقيض في الوعد والوعيد. ويستطيع الشعور الجدلي أن يصف التاريخ، وفي الوقت نفسه يدرك دلالة المذهب، ويبرز النسق العقائدي للفرقة، وذلك من خلال نشأة الفرق وتوالدها بعضها عن البعض الآخر طبقا لقانون الفعل ورد الفعل؛ أي طبقا للمنهج الجدلي القائم على التعارض والأضداد.

97

ولا يوجد منهج محكم في معظم المصنفات الكلامية لعرض تاريخ الفرق. ويتأرجح معظمها بين تتبع النشأة الزمانية وبين عرض الموضوعات العقائدية، وإن كانت أقرب إلى المنهج الثاني؛ أي عرض الفرق من خلال الموضوعات. ويختلف الترتيب الزماني والموضوعي حسب الموضوع؛ ففي الإمامة مثلا تظهر الرافضة أولا ثم يناقضهم فيها الخوارج، في حين أنه في التوحيد تقول الرافضة أولا بالتأليه أو التجسيم ثم يظهر المعتزلة ويقولون بالتنزيه.

98

وقد ينشأ رد الفعل على الفور إذا كانت عملية خالصة مثل الإمامة، أو متأخرة إذا كانت نظرية تحتاج إلى تفكير وتدبر مثل التوحيد. فبعد أن ظهر التأليه مبكرا للغاية في حياة علي لم يظهر توحيد المعتزلة ونفي الصفات إلا متأخرا. وقد ظهرت الروافض بدعوى التأليه، فظهورهم هنا سابق على الخوارج فيما يتعلق بالتأليه، وقد حدث ذلك في حياة علي.

99

وفي هذا الجو العام من التوتر النفسي وجهل العرب، وشدة انتسابهم إلى الدعوات في عصر الدعوات، يمكن أن يكون عبد الله بن سبأ منشئ التأليه من خلفياته الدينية القديمة. لم يكن العرب يعرفونه؛ إذ كانت الوثنية لديهم سطحية، بالإضافة إلى أنه يقوم على الإعجاب بالبطل في عصر البطولة وبين الأبطال. فالخوارج والشيعة نقيضان، وإن لم يخرج النقيض من النقيض زمانيا. نشأ الخوارج أولا برفضهم إمامة علي، ثم نشأ الشيعة ثانيا بعد مقتل علي وبنيه. فمن حيث موقعهم من علي هما نقيضان، وإن تولد أحدهما عن الآخر زمانيا.

صفحة غير معروفة