83
وهربا من عدم تطابق العدد المحدد نظريا مع الإحصاء التاريخي، يكون التمييز بين الأصول الثابتة التي تطابق العدد والفروع المتغيرة التي لا حصر لها، وهي قسمة من أصول الفقه في التمييز في الاجتهاد بين الأصول والفروع. ولكن حتى في هذه الحال، هل تظل الأصول كما هي؟ ألا تتغير بتغير التاريخ؟ هل يظل عدد الفرق كما هو ماضيا وحاضرا ومستقبلا؟ قد يستطيع الفكر في زمن معين أن يصل إلى كل الأنماط الممكنة، وكل الاختيارات البشرية، وكل ما يأتي بعد ذلك يدخل تحت هذه الأنماط؛ وبالتالي لن يأتي التاريخ بنمط جديد، وكل ما سيقع في المستقبل سيجد له نمطا في الماضي؛ فالتطور يدخل في البناء، والواقع يحكمه الفكر. ومع ذلك يمكن الرجوع إلى وحدة الفكر دون إدانة للتعدد وتكفير للفرق، وهي قوى اجتماعية وتيارات سياسية لا يمكن ضربها والقضاء عليها بإخراجها من الجماعة. وماذا عن الحضارات المجاورة التي دخلت الحضارة الأصلية وأصبحت جزءا منها؟ هل تدخل ضمن الفرق المحصاة؟ إن معظم المذاهب الوافدة كان لها ممثلوها داخل الحضارة الجديدة باعتبارها وارثة للحضارات السابقة. وأحيانا يتم إحصاء الفرق ليس فقط عند البشر، بل أيضا عند الجن؛ أي عند أمم أخرى؛ أي في مظاهر حياة في كواكب أخرى؛ فالإنس شامل للجن! وإذا استحال حصر فرق الأنس، فالأولى استحالة حصر كل تفرق وتشتت في الكائنات الحية. وهل يوجد مكلفون عاقلون خارج الإنس؟ ولماذا لم تحص فرق المجوس واليهود والنصارى؟ قد يكون الدافع إلى ذلك عدم وجود صراع على السلطة في هذه الفرق بعكس المسلمين؛ مما يوحي بأن إحصاء الفرق والحكم بهلاكها إلا واحدة إنما هو في جوهره صراع سياسي بين السلطة والمعارضة. أما إحصاء الفرق في سبعين، فهو أحد مشتقات العدد سبعة، وهو عدد رمزي في تاريخ أديان الشرق، سبعون شيخا ترجموا التوراة السبعينية، سبعون تلميذا للمسيح، السبع فواتح في كتاب الإعلان في العهد الجديد، سبعون مرة للاستغفار، الحروف السبع للقرآن، الأئمة السبعة. بل يشير العدد أيضا إلى ظواهر طبيعية تتفق مع الظواهر الروحية، مثل الأيام السبعة والسموات السبع والأرضين السبعة ... إلخ. وقد لا يعني العدد الضبط الإحصائي بقدر ما يعني التعدد.
84
وفي النهاية يرفض بعض المتكلمين الأفكار الموجهة لحوادث التاريخ، وآثروا القيام بتاريخ فكري خالص دون التنكر لوحدة الفكر كوحدة نمطية يتم الانحراف عنها والتشتت فيها.
85
وبالرغم من التعسف النظري في اختيار عدد الفرق، فقد جاءت كل المحاولات
لإحصائها تتفق مع هذا العدد السبعيني بطريقة أو بأخرى. وحتى يكتمل العدد تدخل الفرق غير الإسلامية أحيانا مع الفرق الإسلامية، أو للتمويه على أن إحصاء الفرق أمر تاريخي خالص، وليس لتكفير المعارضة باسم فرقة السلطان.
86
وأحيانا توضع فرق أخرى غير كلامية مثل الحكماء والصوفية، إما مع الفرق غير الإسلامية أو مع الفرق الإسلامية. وكيف يمكن لعلم أصول الدين أن يرصد جميع المذاهب والفرق خارج الحضارة الإسلامية، وأن يقوم بمهمة تاريخ علم للأديان؟ يمكن ذلك بالاقتصار على الأصول دون الفروع، وعلى أمهات المذاهب لا المقالات، وتصنيف الفرق غير الإسلامية حسب الأهمية دون مراعاة لترتيب زماني أو موضوعي.
87
صفحة غير معروفة