18
كذلك لعدم نفعه، بل لاحتمال الضرر منه كتعمية الواقع وتغليفه بالماضي، ونسيان الصراع الحالي تحت غطاء الصراع الماضي يمكن التوقف فيه، أو التفويض فيه لله، وهو أيضا نوع من التوقيف، إلغاء للمسألة. ولا يعني ذلك تصويب القاعدين إلا لأنه لم يتبين لهم الحق في الأمر فتوقفوا فيه، ولكن لا يجوز القعود فيه إذا ما تبين الحق فيه، فالإمامة واجبة، والتوقف امتناع أساسا عن تكفير الصحابة والطعن فيهم، وإيثار الفضل للكل. قد يصل حد التوقف إلى إنكار الوقائع التاريخية كلها؛ فالفتنة لم تقع، والحروب بين المسلمين لم تحدث.
19
وإذا كانت دعوة العصمة من بعض الرفاق، والطعن والتكفير من البعض الآخر في الرفاق أنفسهم، وكلاهما رد فعل على الآخر، فمن الأفضل الإمساك عن هذا وذاك، عن التعظيم والتحقير، إما عن طريق الشك في الروايات والأخبار، أو عن طريق تأويلها من أجل الحفاظ على سيرة الخلفاء في التاريخ واستمرارهم قدوة في السلوك. ولقد فعل الجميع بناء على اجتهاد، وللمخطئ أجر، وللمصيب أجران.
20
وأصبحت كل فرقة تدافع عن نفسها ضد تهمة التفضيل التي تعني الثناء على بعض الرفاق والطعن في البعض الآخر؛
21
لذلك كان من الأوفق عدم إدخال هذه المسألة في علم أصول الدين كلية، لا للعوام ولا للخواص؛ فالعوام لهم حاضرهم وعقائدهم لمواجهة مشاكل عصرهم، والخواص لديهم العلم النافع لإرشاد العوام؛ فلا تدخل هذه المسألة ضمن التعليم أو تدرج في المصنفات والآثار؛ لأن التعليم لا يكون إلا بما ينفع، وبما يمس مصالح الأمة في كل عصر.
22 (2-3) هل هناك تفضيل بين الصحابة؟
وقد لا يكون التفضيل بين الأفراد، بل يكون بين المجموعات والأصناف، أو بلغة القدماء بين الطبقات، فهناك مراتب للرفاق، كل مجموعة سابقة في مرتبة أعلى من المجموعة اللاحقة، فالأولون الأولون، والسابقون السابقون. وتتفاوت مراتب الفضل في الزمان ابتداء من عصر النبوة إلى عصر الخلافة. وهناك خمس مراتب: الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرون بالجنة (منهم الخلفاء الأربعة، أي الستة الباقون)، والبدريون الذين شاهدوا أحدا، وأهل بيعة الرضوان بالحديبية. وقد لا تعني المشاهدة الحضور الفعلي، بل يمكن الحضور أجرا؛ أي من له فضل المشاركة بالمال أو بالتأييد بالنية ولكن منعته الظروف من الحضور. وقد تتداخل المراتب ويكون الإنسان في الوقت نفسه خليفة ومن العشرة المبشرين بالجنة وبدريا وأحديا ومن أهل بيعة الرضوان، وذلك مثل الخلفاء الأربعة. وإذا كان فضل الأربعة الأوائل قربهم من الرسول، فإنما كان ذلك عارضا تاريخيا محضا عن طريق بيعة الأمة وعقدها على واحد منهم تباعا، وكان يمكن لعارض تاريخي آخر، كالاغتيال أو الموت أو الاستشهاد، أن يغير نظام الأسبقية في الزمان. أما العشرة المبشرون بالجنة، فإن ذلك يدل على مجرد التعبير عن الاستحقاق؛ لأن الحساب لم يتعد بعد، وإلا كان مصادرة على المطلوب، مصادرة على حق الله، حتى ولو تم ذلك من الرسول. والتبشير في الدنيا مثل الشفاعة في الآخرة مضاد لقانون الاستحقاق. وفضل أهل بدر هو بداية القتال بين الثورة الجديدة وبين النظام القديم، والتحول من الدعوة السلمية إلى الكفاح المسلح. أما فضل أهل أحد فهو الثبات في القتال واستئنافه بمزيد من الطهارة الثورية دونما نظر لمصلحة أو كسب دنيوي. أما أهل بيعة الرضوان فهو الثبات حتى في أضعف لحظاتها، والقدرة على مواصلتها بوسائل أخرى. ولكن ماذا عن الشهداء في كل عصر؟ ولماذا يكون شهيد الحق نصير ثورات المحرومين والمظلومين أقل فضلا من الثوار الأوائل في معارك الثورة الأولى؟ وهل الإنسان مسئول عن وقت قدومه إلى الدنيا والعصر الذي عاش فيه، أم أن مسئوليته في تقبله لها في أي عصر وجد وفي أية معركة فرضت عليه؟ وإن الاختلاف على هذا الترتيب، وإدخال من صلوا إلى القبلتين في مراتب الفضل الأولى، يدل على أن الموضوع كله حكم قيمة لا سند له من الوحي أو العقل أو الواقع.
صفحة غير معروفة