221

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

تصانيف

وإثبات آلام الأطفال موضوع لعلوم الجسم أو علم النفس أو التربية وليس موضوعا لاهوتيا تأمليا إذا كان المقصود إثبات الآلام على المستوى الطبيعي النفسي الجسمي. وحتى في هذا المستوى، لا يخلو الأمر من إسقاط الإنسان وإحساسه بالألم على الأطفال. فالإسقاط قائم سواء على المستوى اللاهوتي أو على المستوى الطبيعي، وكأن الآلام لا يمكن أن تدرك إلا على المستوى الإنساني. بل ويتدخل المستوى اللاهوتي في المستوى الطبيعي حتى لا تكون الآلام بفعل الخلقة والطبع وتقوم على الأسباب والمسببات.

25

وقد يكون نفي الآلام رد فعل طبيعي لإثبات العدل. فالأطفال لا تتألم لأن الألم عقاب، وعقاب الأطفال ظلم ما داموا ليسوا مكلفين. التكليف مشروط بالعقل والبلوغ، والأطفال والمجانين دون ذلك، بل قد تتحول آلام الأطفال إلى لذات من فرط العدل.

26

والحقيقة أنه لا يجوز إيلام الأطفال؛ فهم تحت سن البلوغ، والبلوغ شرط التكليف. فكيف يحاسب الطفل وهو لم يصل بعد إلى مرحلة البلوغ؟ كيف يكون مسئولا عن نفسه وعن غيره وهو ما زال دون حرية الاختيار؟ إن الآلام لا تكون إلا عن استحقاق، والأطفال لا يستحقون الآلام لأنها نتيجة الأفعال الحرة العاقلة، وأفعال الأطفال ليست كذلك. ولا فرق في ذلك بين أطفال المؤمنين وأطفال الكافرين. وأين تكافؤ الفرص والمساواة في العدل بين طفل المؤمن وطفل الكافر حين يثاب الأول بطاعة آبائه ويعاقب الثاني بعصيان آبائه؟ أليس ذلك ضد المسئولية الفردية والتكليف الفردي؟ وماذا لو قال طفل الكافر كما هو الحال في قصة الإخوة الثلاثة لو كنت عشت لكنت قد آمنت. وما الضامن إذا ما عاش طفل المؤمن ألا يكفر؟

27

لا يؤخذ الطفل إذن بجريرة أبيه:

وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت (81: 8-9). وكيف يمكن إيلام الأطفال موعظة لآبائهم؟ ولماذا يتألم الأطفال ويتعظ الآباء؟ وهل موعظة الآباء لا بد أن تكون على حساب أطفالهم؟ وهل يتعظ الآباء بعذاب أطفالهم أم يتألمون لآلامهم، ويكفرون إذا كانت آلامهم بغير جريرة أو ذنب؟

28

وكيف تكون آلام الأطفال عبرة للبالغين؟ هم يتألمون وغيرهم يعتبرون! وهل يكون الطفل عبرة للبالغ ولا يكون البالغ عبرة للبالغ؟ وكيف يتوب الأطفال وكيف يتألمون ليثاب الآباء؟ وكيف يوضع الأطفال في النار وكأن الله يفرح بآلامهم؟ ويتحول المطلق إلى صادي كبير ينعم بعذاب الآخرين، أو إلى متسلط قاهر يفعل بلا قانون باسم السلطة المطلقة، تفعل الشرور في العالم، ونجد في ذلك حكمة بالغة!

صفحة غير معروفة