30
وقد يكون قادرا على ظلم الأطفال والمجانين دون العقلاء. وذلك يعني أن العقل قدرة على مقاومة الظلم والدفاع عن العدل. وهو الضامن للقيم والحارس لحقوق الإنسان. ولا مكان لضعاف العقول ولا للأغبياء في هذا العالم. ومع ذلك فإن هذا التصور لا يجعل العدل صفة ذات بل مجرد صفة فعل متغير متقلب طبقا لأحوال الناس، وكأن الله ينتهز الفرصة ليظلم الضعاف والصبية والمجانين ويكذب عليهم؛ وبالتالي يحملهم ما لا طاقة لهم به خاصة وأن مسئولياتهم عن أوضاعهم التي هم عليها محدودة؛ فصغر السن والضعف الجسماني والمرض النفسي يمنع من وقوع الأفعال الواعية الحرة. كما أن ذلك ليس من شيمة العظماء؛ استضعاف الناس والخوف من الأقوياء.
31
وقد لا يوجد أي حرج في القول صراحة بأن الله لا يقدر على فعل القبيح بالرغم مما في التعبير من نيل من إطلاق القدرة. فقد لا يفعل الله القبيح لعلمه أنه قبيح؛ ومن ثم فلا يختار فعله على أي وجه. ينفي القبح من أجل العلم. فالله قادر على فعل ما علم أنه يفعله ولا يقدر على فعله ما علم أنه لا يفعله.
32
والحقيقة أن ذلك تناقض لأنه كيف يقدر الله على ما لا يعلم؟ إن عدم القدرة يحتاج إلى علم وهو غير موجود. كما أن جعل القدرة تابعة للعلم هو جعل العلم أعلى من القدرة. والصفات متساوية في الإطلاق والشمول. ولا يحل الإشكال إلا بجعل القدرة تابعة للعلم. وفي هذه الحالة تكون القدرة مشروطة، وما دامت مشروطة فهي مقيدة، وفي كل الأحوال يمكن فهم ذلك. فلإنسان مع العلم وكمال العقل لا يفعل القبيح ولا يقع منه التشويه. وفعل القبيح نقص وذم. كما يفعل الإنسان الحسن لذاته كما يفعل الفنان أو الصوفي أو المثالي. هو فعل يتصف به المتطهرون أو من يود الإعلان عن الطهارة بإلصاقها بالذات المشخص ووصف أفعاله من خلالها.
ويرجع السؤال القديم في التوحيد: هل الله قادر على ما علم أنه لا يكون؟ هل يجوز كون ما علم الله أنه لا يكون؟ ويعاد طرحه هذه المرة في العدل على المستوى الإنساني الخالص: هل الإنسان قادر على ما علم الله أنه لا يكون؟ والرد بالنفي إثبات لعجز الإنسان أمام علم الله وقدرته، وهو المطلوب. في حين أن الرد بالإيجاب إثبات للقدرة الإنسانية على أنها مصدر لتكوين الأشياء.
33
والحقيقة أن السؤال يضعه الذهن أمام الشعور حتى يستطيع الشعور أن يجد فرصة لديه للتعبير عن عواطف التأليه، خاصة إذا كان السؤال حادا يسمح بنبرة عالية في الرد. وإذا كان الذهن هنا يعارض القدرة بالعلم فهل تستطيع القدرة أن توجد ما قرر العلم عدم وجوده؟ بالرغم من أن السؤال يحتوي على تناقض داخلي وهو العلم بما لا يكون أو كون ما لا يعلم، وبالرغم من أنه يحتوي على نقص في عواطف التأليه، إذ كيف تكون صفتان مطلقتان مثل القدرة والعلم متعارضتين إلا أن الذهن يقدمه كي يسمح للشعور بالتمرين وإظهار مدى انفعاله بالتأليه. والرد بالإيجاب يثبت عظمة القدرة على حساب العلم على ما في ذلك من نقص في عواطف التأليه بالنسبة إلى العلم. بل تكمن خطورته في تثبيت العقلية الغيبية والإيحاء بأنه يمكن العلم بشيء غير موجود أو إيجاد شيء بلا علم. وهو السؤال نفسه: هل خلاف المعلوم مقدور؟ وقد ينشأ حل متوسط يجمع بين الإثبات والنفي، يثبت القدرة على الإمكانية؛ إمكانية كون ما علم أنه لا يكون ولكنه ينفي وقوع ذلك بالفعل.
34
صفحة غير معروفة