84

من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال

تصانيف

يقول الشهاب في تعليقه على قول البيضاوي (وقيل الفعلان موجهان إليهما): "قوله: (وقيل الفعلان) أي: (اذكروا) و(سبحوه) ومرضه لأنه على تفسيره بغلبة الأوقات، يكون شاملًا لهما فلا حاجة لتعلقه بالأول على التنازع" (١)، وأضيف أن العطف في قوله (بكرة وأصيلًا) ينبو عنه التمثيل بما ذكره الزمخشري والآلوسي من قولك (صم وصلّ يوم الجمعة)، إذ ليس ثمة ما يدل على التفريق بين الوقتين، ولا ذَكر ذلك أحد من أهل العلم، غاية ما يمكن قوله في هذا جواز "أن يكون المراد بالذكر المأمور به، تكثير الطاعات والإقبال عليها، فإن كل طاعة من جملة الذكر، ثم خُص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلًا" (٢) .
وأشد مما ذكر ضعفًا ما ادعاه الرازي في موضع مشابه، وتحديدًا أثناء تفسيره لقول الله تعالى في حق زكريا: (واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشي والإبكار.. آل عمران/٤١) من استدلال على إرادة الصلاة من التسبيح، من "أنا لو حملناه على التسبيح والتهليل لم يبق بين هذه الآية وبين ما قبلها وهو قوله تعالى (واذكر ربك) فرق، وحينئذ يبطل، لأن عطف الشيئ على نفسه غير جائز" (٣)، ويعني بذلك أن التسبيح في معنى الذكر، وعليه فيتعين حمله على معنى الصلاة.. فإن ما ذكره يرد عليه ما بين الذكر والتسبيح من عموم وخصوص، وآية آل عمران وإن صح ما ذكره من أن التسبيح فيها بمعنى الصلاة لما سبق أن ذكرنا من القرائن الدالة على ذلك، إلا أن تعليله سالف الذكر هو الذي فيه نظر، والحقيقة فيه ما ذكرت.

(١) حاشية الشهاب٧/٤٩٥.
(٢) كذا ذكره الآلوسي [٢٢/٦١مجلد١٢]، وإن أخطأ في قوله بعد: "أي الصلاة في جميع أوقاتها أو صلاة الفجر والعصر والعشاء لفضل االصلاة على غيرها من الطاعات البدنية"، ولو أنه حمل التسبيح - مع ما نوه به - على ظاهره، لربما كان قولًا وجيهًا ورأيًا سديدًا.
(٣) الرازي٤/٢٠٥.

1 / 84