كان هناك شيء جديد مقدس. كانت الجماعة قد وصلت إلى عمود المؤتمر، وهو الذي أقيم سنة 1830 حين استقلت بلجيكا وصدر دستورها، وهو الذي يظل قبر الجندي المجهول الذي اتخذ رمزا لما قدمت بلجيكا من ضحايا في الحرب الماضية، وصلت الجماعة إلى هذا العمود فتبدل فرحها ومرحها إجلالا وتقديسا لرمز الاستقلال ورمز الجهاد الوطني!
وما أشك أن هؤلاء الناس الذين كانوا يجلون استقلالهم، ويقدسون رمز ضحاياهم، كانوا يذكرون في هذه اللحظة نفسها مع الإجلال والإكبار الملك ألبير، الذي جاهد وتألم واحتمل كل ما يمكن أن يحتمله الملك المخلص للدفاع عن وطنه أولا وعن عرشه ثانيا! في هذا اليوم عرفت قيمة ما يمكن أن يوجد بين الشعوب والملوك من صلات الحب والمودة والعطف.
الحب وحده مصدر هذا الابتهاج والإجلال، فليس الملك ألبير مستبدا ولا راغبا في الاستبداد، وليس الشعب البلجيكي خانعا ولا مستعدا للخنوع، ولعل الذين قرءوا تاريخ بلجيكا يعلمون أن الصلة بين البلجيكيين وملوكهم قائمة على أن الملوك يتلقون سلطانهم من الشعب، فهم نوابه وممثلوه، لا سادته وزعماؤه.
وما لي أذهب بعيدا وقد افتتح المؤتمر التاريخي يوم الاثنين 9 أبريل بمحضر من الملك والملكة وولي العهد والبرنس شارل وأخته البرنسيس ماري جوري. فلما قدم رئيس المؤتمر إلى الملك والملكة والأمراء تحية المؤتمر، ذكر الديمقراطية ورقيها في بلجيكا، واقتناع الملك بأن لا رقي للشعوب ولا استقرار للعروش إلا إذا كانت الديمقراطية الصحيحة الواسعة أساس الصلة بين الشعوب والعروش، فصفق الناس جميعا وابتسم الملك والملكة.
باريس في 17 أبريل سنة 1923
3
قلت في أول هذه الفصول: إن كثرة أعضاء المؤتمر من جهة، وكثرة مواد العمل من جهة أخرى، قد اضطرتا المؤتمر إلى أن يقسم نفسه إلى لجان، ولست أرى بأسا من ذكر هذه اللجان ليرى المشتغلون بالتاريخ في مصر كيف يتصور علماء أوروبا التاريخ، وكيف يقسمونه إلى أقسامه المختلفة.
انقسم المؤتمر إلى ثلاث عشرة لجنة وهي: (1)
تاريخ الشرق. (2)
تاريخ اليونان والرومان. (3)
صفحة غير معروفة