قال: فجعل يقول يعني المعتصم: ويحك يا أحمد، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك، وأركب إليك بخيلي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطني شيئا من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، قال: فرجع فجلس، ثم قال للجلادين: تقدموا، فجعل الجلاد يتقدم فيضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: شد، قطع الله يدك! فذهب عقلي، فما شعرت إلا والأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: إنا أكببناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية ودسناك! وما شعرت بذلك، قال أبي: فأتي بسويق وقالوا لي: اشرب وتقيأ، فقلت: ليست أفطر، قال: فجيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم فحضرت صلاة الظهر، فتقدم ابن سماعة فصلى، فلما انفتل من الصلاة قال لي: صليت والدم يسيل في ثوبك؟ قال: فقلت: قد صلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دما.
قال: فصار أبي إلى المنزل، ووجه إلى المطبق، فجيء برجل ممن يبصر الضرب والعلاج، فقال: قد رأيت من ضرب ألف سوط، ما رأيت ضربا مثل هذا، ثم أخذ ميلا فأدخله في بعض ذلك اللحم، ثم أخرجه فنظر إليه فقال: لم ينقب، وجعل يعالجه، ثم قال: إن ههنا شيئا أريد أن أقطعه بحديدة، فجعل يعلق اللحم بها ويقطعه وهو في ذلك يحمد الله.
قال أبو الفضل: وسمعت أبي رحمه الله يقول: والله لقد أعطيت المجهود من نفسي، ولوددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي.
صفحة ٤٩