أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البغدادي بقراءتي عليه ببغداد، أخبرنا الإمام أبو الفضل محمد بن ناصر بن علي الحافظ، أخبرنا الحسن بن أحمد البنا، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الحافظ، حدثنا عبد الواحد بن علي بن الحسين القاضي، حدثنا أبو الحسن علي بن موسى بن عيسى البزاز، حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، قال: كنت يوما قاعدا على قنطرة التبانين، فإذا أنا برجلين يقدمان رجلا بدويا على قعود له، إذ وقفوا علي وقالوا: هو ذا، هو جالس، فقال لي البدوي: أنت أحمد بن حنبل؟ فقلت: لا، أنا صاحبه، اذكر حاجتك، فقال: أريده، فقلت: أدلك عليه، فقال: إي والله، فمضيت بين يديه حتى أتيت باب أبي عبد الله، فدققت الباب، فقالوا: من هذا؟ فقلت: أنا المروذي، فقالوا: ادخل، قلت: أنا ومن معي؟ قالوا: أنت ومن معك، فلما رأى أبا عبد الله، قال الأعرابي: إي والله ثلاث مرات فسلم عليه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، قال: ويحك ما تقول؟! قال: أنا رجل بدوي بين حيي وبين المدينة أربعون ميلا، أوفدني أهلي المدينة أمتار لهم برا وتمرا، فأتيت المدينة، فابتعت لهم ما عهدوا إلي من ذلك، فجنني المساء، فصليت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، واضطجعت فبينا أنا نائم إذ أتاني محرك فحركني، وقال لي: أتمضي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة؟ فقلت: إي والله، فقبض بيده اليمنى على ساعدي اليسرى وأتى بي حائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقفني عند رأسه، فقال: يا رسول الله، فسمعت من وراء الحائط قائلا يقول: أتمضي لنا في حاجة؟ فقلت: إي والله، إي والله، إي والله، فقال: تمضي حتى تأتي بغداد، أو الزوراء الشك من المروذي فإذا أتيت بغداد فسل عن منزل أحمد بن حنبل، فإذا لقيته فقل: النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الله مبتليك ببلية، وممتحنك بمحنة، وقد سألته لك الصبر عليها، فلا تجزع.
قال المروذي: وكان إذا قال له رجل: وحملك يا أبا عبد الله في السوط؟ يقول: قد تقدمت المسألة. قال أبو بكر: وكان بين منصرف الأعرابي وبين المحنة خمسة وعشرون يوما.
أخبرنا عبد الرحمن بن علي، أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا غالب بن علي، أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان، قال: سمعت أبا القاسم بن صدقة، يقول: سمعت علي بن عبد العزيز الطلحي، يقول: قال لي الربيع: قال لي الشافعي: يا ربيع، خذ كتابي وامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وائتني بالجواب، قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر، فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب، فقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ فقلت: لا، فكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب فتغرغرت عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه أبا عبد الله؟ فقال: يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام، وقل له: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن، فلا تجبهم يرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع قميصه الذي يلي جلده، فدفعه إلي فأخذته وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب وسلمته إلى الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. فقال لي الشافعي ((ليس نفجعك به، ولكن بله وادفع إلينا الماء حتى أشركك فيه)).
صفحة ١١