قال: فإذا اجتمع لك كل ذلك فانظر، وإن لم يجتمع لك ذلك ونظرت كنت كالناقة العشواء الخابطة لا تهتدي، وكمن يتورط في الظلماء لا يعلم أين يضع قدمه، وليس طالب الدين من كان خابطا أو خالطا، والإمساك عن ذلك أمثل وأفضل.
قلت: وبعض هذه الأمور قد تقدم الكلام عليها، فإن قلت: أليس ظاهر كلامه عليه السلام الأمر بترك النظر، والاكتفاء بما مضى عليه سلفه الصالح، وهو خلاف ما علم من وجوب النظر، وتحريم التقليد.
قلت: ليس النظر مقصودا لذاته، وإنما المقصود به التوصل إلى معرفة الحق على وجهه، فإذا كان من نقطع بصحة نظره كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، وفاطمة الزهراء، ومن كان من سلف الحسن عليه السلام مقاربا لهم في حسن النظر قد نظروا، وعلم ما أداهم إليه نظرهم علما لا شك فيه إما بالسماع منهم، أو بنقل من لا يشك في صدقه عنهم كأمير المؤمنين عليه السلام فقد حصل المطلوب، وهو معرفة الحق؛ إذ لا يحصل للناظر أكثر مما حصلوه من الحق الذي تجب معرفته، ومن جاوز به نظره إلى تكلف معرفة ما أمسكوا عنه فقد جاوز حد عقله، وخرج من رسوخه في العلم إلى ظلمات جهله، فإن قلت: كيف يأبى قبول ما عليه سلفه المذكورون حتى قال له علي عليه السلام : فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك.
قلت: إن كان أبى ذلك فلم يكن لشكه في كونه حقا، وإنما لم يكتف بنظرهم لما يفوته من فضيلة النظر، والجد في طلب العلم، والفرق جلي بين أخذ العلم تلقينا، وبين تحصيله بتعب القلب، وجمع الهمة، وإعمال الفكر، ولذا ورد في فضل التفكر ما ورد، والأجر على قدر المشقة.
فإن قلت: فما بال أمير المؤمنين عليه السلام رجح لولده الحسن عليه السلام ترك النظر، والأخذ بما مضى عليه سلفه مع ما في النظر من الفضل.
صفحة ٦٥