الموضع الثالث: في ذكر شبه المخالفين والرد عليها
واعلم أن لهم شبها عقلية وسمعية، أما العقلية فهي كثيرة، ونحن نذكر أقواها دون ما يظهر ضعفه للمبتدي والمنتهي:
[الشبهة الأولى في الداعي والمرجح]
أحدها: دليل الداعي والمرجح، وقد تقدم وسيأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله في سياق قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم }[البقرة:7]
الشبهة الثانية [الحركة الاضطرارية والاختيارية]
أنا نفرق بين الحركة الاختيارية والاضطرارية ضرورة في تعلق الأولى بنا دون الثانية، فلو كان تعلق إحداهما بنا من جهة الحدوث لوجب في الأخرى مثله؛ لأن الحدوث ثابت فيهما، والمعلوم خلافه، فلم يبق إلا تعلقها بنا من جهة الكسب والمحدث هو الله تعالى، وربما يؤكدون هذا بأن الحدوث في الذوات متماثل فلو صح منا إحداث الحركة لوجب أن نحدث الأجسام والألوان، والمعلوم خلافه.
والجواب: أن الاشتراك في الحدوث لا يقتضي الاشتراك في الحاجة إلى محدث معين بل إلى محدث ما، وأما تعيين المحدث فموقوف على الدليل، وقد قام الدليل على أنا المحدثون لأفعالنا.
وأما قولهم إن الحدوث متماثل فباطل لأن التماثل والاختلاف إنما يصحان على الذوات دون الصفات، فكيف يصح وصف الحدوث بذلك على أن المتعلق بنا هو ذات الحركة على وجه الحدوث، ولا يلزم من القدرة على اتحاد ذات القدرة على سائر الذوات، ولا من القدرة على إيجاد ذات على وجه القدرة على إيجادها على وجه آخر.
قال السيد (مانكديم): وإنما كان يجب ذلك لو ثبت في الذوات كلها من الجواهر والألوان أنها تقف على قصدنا ودواعينا لا الحدوث، ثم يقال لهم: أليس أن وجه الكسب ثابت في هذه التصرفات على وجه واحد، ولم تجب في القادر على بعضها أن يكون قادرا على جميعها، فهلا جاز مثله في مسألتنا.
الشبهة الثالثة [القدرة على إحداث الفعل]
قالوا لو قدر أحدنا على إحداث أفعاله لوجب أن يقدر على إعادتها كالباري تعالى.
صفحة ٢٠٢