115

الموضع الثاني: في بيان محل الخلاف

اعلم أنه لا نزاع في أن العقل يستقل بمعرفة الله تعالى ووحدانيته.

قال ابن المنير الإسكندري: اللائق بقواعد السنة أن يقال: أما معرفة الله تعالى ومعرفة وحدانيته، واستحالة كون الأصنام آلهة فمستفادة من أدلة العقول، وقد ترد الأدلة العقلية في مضامين السمعيات، وأما وجوب عبادة الله وتحريم عبادة الأصنام فحكم شرعي لا يستفاد إلا من السمع. ذكره في حاشيته على الكشاف، ولا خلاف أيضا أن العقل يستقل بمعرفة الحسن والقبيح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته، أو كونه صفة كمال أو صفة نقص، وهذان القسمان، قال الرازي: لا شك في معرفتهما بالعقل.

قلت: أما المعنيان الأولان وهو ما كان بمعنى الملائمة للطبع والمنافرة فليسا عقليين عند التحقيق؛ إذ يدركهما من لا عقل له، وبهذا يسقط قول الإمام المهدي أنه يلزمهم قبح بعض المحسنات كالفصد والحجامة لتألم النفس بهما، وهم قد فسروا منافرة الطبع بتألم النفس، ويلزمهم حسن ما يلتذ به من المقبحات كالكذب والظلم، لأنهم قد فسروا الملائمة بالالتذاد النفسي، وبيان سقوطه أنهم يلتزمون ذلك التفسير لأن قولهم مثلا بقبح الفصد من حيث أن النفس تنفر منه لتألمها به لا من حيث النفع المقتضي لحسنه، فالنفرة من هذه الحيثية أعني من حيث التألم لازمة له ولا يختص بها العقلاء، وكذلك القول في حسن الكذب بالمعنى المذكور، فإن حسنه من حيث أنه التذ به لا من حيث كونه كذبا، فتأمل.

وأما المعنيان الأخيران أعني التحسين والتقبيح بمعنى الكمال والنقص كما يقال: العلم حسن أي كما لمن اتصف به ، والجهل قبيح أي نقصان لمن اتصف به، ولا نزاع في أن هذا المعنى ثابت للصفات يدركه العقل.

صفحة ١١٥