التكوين عن علم كلمات التكليف، فيبقى غائبا عن الأوامر والنواهي، يتطلع إلى صرف القدر المحض من جميع النواحي، وأنى تروي هذه الأشياء غليلا? ! أو تشفي بالمحبة الصادقة عليلا? !
فالصادق في ابتدائه في أوان غلبات وجده كالعطشان، كلما رأى سرابا مال إليه، وحام نحوه وعليه.
فإن وقع في كفة هؤلاء الأقسام المذكورين طالب صحيح الطلب - بحيث يلقوه في لفيفهم؛ ويحشروه في مضيفهم - ؛ وكان غرا جاهلا بمتاهات الطريق قد يسلك معهم برهة من الزمان حتى يصل إلى غاية أمدهم؛ أو منتهى حدهم ومددهم: فيظهر حينئذ أنه ليس على تحقيق وأنه تائه عن الطريق، فيتعب بهم دهرا طويلا؛ ويشقى بسببهم شقاء بعيدا، خصوصا إذا أذابوا مهجته بالرياضات، وطرحوه في مشابك التجوع والفاقات، فتضعف بذلك قواه البدنية، وتتغير لطيفته الذهنية فتروح حدته ونشاطه معهم ، ويضيع عنفوان شبيبته في طريق انحرافهم، حتى يصل إلى غاياتهم ؛ فيرى ما هم فيه سرابا (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءو لم يجده شيئا).
وقليل من السالكين يقف على عورهم، بل الغالب منهم ينقطعون معهم حيث انقطعوا، ويقفون في متاهاتهم متحيرين حيث وقفوا، ولا يقف على عورهم عند انتهاء سلوكه معهم إلا الصادقون؛ لأن الصادق لاحت له لوائح صادقة ؛ ولوامع صحيحة رائقة.
صفحة ٤٣