من صِفَات الْكَمَال مَا كَانَ بِهِ افضل من غَيره من الْمَخْلُوقَات وَأَرَادَ سُبْحَانَهُ ان يظْهر لملائكته فَضله وشرفه فأظهر لَهُم احسن مَا فِيهِ وَهُوَ علمه فَدلَّ على ان الْعلم اشرف مَا فِي الانسان وان فَضله وشرفه إِنَّمَا هُوَ بِالْعلمِ وَنَظِير هَذَا مَا فعله بِنَبِيِّهِ يُوسُف ﵇ لما أَرَادَ اظهار فَضله وشرفه على اهل زَمَانه كلهم اظهر للْملك واهل مصر من علمه بِتَأْوِيل رُؤْيَاهُ مَا عجز عَنهُ عُلَمَاء التَّعْبِير فَحِينَئِذٍ قدمه ومكنه وَسلم اليه خَزَائِن الارض وَكَانَ قبل ذَلِك قد حَبسه على مَا رَآهُ من حسن وَجهه وجمال صورته وَلما ظهر لَهُ حسن صُورَة علمه وجمال مَعْرفَته اطلقه من الْحَبْس ومكنه فِي الارض فَدلَّ على ان صُورَة الْعلم عِنْد بني آدم ابهى واحسن من الصُّورَة الحسية وَلَو كَانَت اجمل صُورَة وَهَذَا وَجه مُسْتَقل فِي تَفْضِيل الْعلم مُضَاف الى مَا تقدم فتم بِهِ ثَلَاثُونَ وَجها الْوَجْه الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ انه سُبْحَانَهُ ذمّ اهل الْجَهْل فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كِتَابه فَقَالَ تَعَالَى وَلَكِن اكثرهم يجهلون ﴿وَقَالَ﴾ وَلَكِن اكثرهم لَا يعلمُونَ وَقَالَ تَعَالَى ام تحسب ان اكثرهم يسمعُونَ اَوْ يعْقلُونَ ان هم الا كالانعام بل هم اضل سَبِيلا فَلم يقْتَصر سُبْحَانَهُ على تَشْبِيه الْجُهَّال بالانعام حَتَّى جعلهم اضل سَبِيلا مِنْهُم وَقَالَ ان شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ اخبر ان الْجُهَّال شَرّ الدَّوَابّ عِنْده على اخْتِلَاف اصنافها من الْحمير وَالسِّبَاع وَالْكلاب والحشرات وَسَائِر الدَّوَابّ فالجهال شَرّ مِنْهُم وَلَيْسَ عَليّ دين الرُّسُل اضر من الْجُهَّال بل اعداؤهم على الْحَقِيقَة وَقَالَ تَعَالَى لنَبيه وَقد اعاذه فلاتكونن من الْجَاهِلين وَقَالَ كليمه مُوسَى ﵊ اعوذ بِاللَّه ان اكون من الْجَاهِلين وَقَالَ لأوّل رسله نوح ﵇ إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين فَهَذِهِ حَال الْجَاهِلين عِنْده والاول حَال اهل الْعلم عِنْده وَاخْبَرْ سُبْحَانَهُ عَن عُقُوبَته لاعدائه انه مَنعهم علم كِتَابه ومعرفته وفقهه فَقَالَ تَعَالَى وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بالاخرة حِجَابا مَسْتُورا وَجَعَلنَا على قُلُوبهم اكنة ان يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا وَأمر نبيه بالاعراض عَنْهُم فَقَالَ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين واثنى على عباده بالاعراض عَنْهُم ومتاركتهم كَمَا فِي قَوْله وَإِذا سمعُوا اللَّغْو اعرضوا عَنهُ وَقَالُوا لنا اعمالنا وَلكم اعمالكم سَلام عَلَيْكُم لَا نبتغي الْجَاهِلين وَقَالَ تَعَالَى وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما وكل هَذَا يدل على قبح الْجَهْل عِنْده وبغضه للْجَهْل وَأَهله وَهُوَ كَذَلِك عِنْد النَّاس فَإِن كل اُحْدُ يتبرا مِنْهُ وَإِن كَانَ فيهالوجه الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ ان الْعلم حَيَاة وَنور وَالْجهل موت وظلمة وَالشَّر كُله سَببه عدم الْحَيَاة والنور وَالْخَيْر كُله سَببه النُّور والحياة فَإِن النُّور يكْشف عَن حقائق الاشياء وَيبين مراتبها والحياة هِيَ المصححة لصفات الْكَمَال الْمُوجبَة لتسديد الاقوال والاعمال فَكلما تصرف من الْحَيَاة فَهُوَ خير كُله كالحياء الَّذِي سَببه كَمَال حَيَاة الْقلب وتصوره حَقِيقَة الْقبْح ونفرته مِنْهُ وضده الوقاحة
1 / 53