يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ﵀: " إذا لم يحصل النور الصافي، بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف، وإلا بقى الإنسان في الظلمة فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهي عن نور فيه ظلمة إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية" (^١).
وقال ابن القيم-﵀: " إن النبي ﷺ شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله" (^٢).
وقال الإمام مسلم ﵀ في مقدمته لصحيحه: " وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول وهو لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحًا، لكان رأيًا متينًا، ومذهبًا صحيحًا، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته، وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجهال عليه، غير أنا تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطين، والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله".
قال الشيخ محمد بن عثيمين ﵀ في تعليقه على هذا الكلام " هذا صحيح، وذلك أنك إذا أردت الشيء ينتشر فرد عليه، يأخذ الناس هذا الرد ويتجادلون فيه، فيكون في هذا الرد نشرًا للقول، لكن يخشى لو تركناه لاغتر به الجهال، فكان مقتضى النصيحة أن يذكر، وكونه يشتهر بأنه ضعيف وأنه مردود عليه خير من كونه يسكت عنه" (^٣).
سادسًا: ترك الجدال والمراء والخصومة في الدين:
من منهج السلف ﵏ ترك الجدل والمراء والخصومة في الدين امتثالًا لقول الله تعالى في ذم المجادلة بالباطل: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)﴾ [غافر: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩)﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا﴾ " (^٤).
(^١) مجموع الفتاوى: ١٠/ ٣٦٤. (^٢) أعلام الموقعين: ٣/ ٤. (^٣) التعليق على صحيح مسلم، للشيخ محمد بن عثيمين: ١/ ٧٢. (^٤) صحيح البخاري: كتاب التفسير، سورة البقرة، باب: وهو الألد الخصم رقم (٤٥٢٣)، وصحيح مسلم: كتاب العلم، باب: النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه عن الاختلاف في القران، رقم (٢٦٦٨).
1 / 26