نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية
الناشر
دار عالم الفوائد
رقم الإصدار
الأولى ١٤١٨ هـ
مكان النشر
مكة المكرمة
تصانيف
من مراجعة مطولات تلك الفنون، فيما إذ أحوجه علمه الذي تخصص فيه إلى ذلك، كما سبق التمثيل له. وعليه أيضًا أن لا يقطع صلته بعلماء تلك العلوم المتخصصين فيها، وأن يصوب فهمه من علومهم عليهم، وأن لا يستبد بشيء من علمهم دون الرجوع إليهم.
وأما التخصص في علم الحديث، فقد سبق أنه من أحوج العلوم إلى التخصص فيه، لشدة عمقه وسعة بحور وامتداد آفاقه. مع ذلك فعندي في مشروعية التخصص فيه (ولو على حساب الفقه!) سنة ثابتة وحديث صحيح مشهور! وهو قول النبي ﷺ: (نضر الله امرأً سمع منا مقالة فحفظها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) (١) .
و(نضر) بتخفيف الضاد وتشديدها: من النضارة، وهي الحسن والرونق والبهاء. فالنبي ﷺ يدعو لراوي الحديث بالحسن والبهاء مطلقًا، في الدنيا والآخرة. وقيل إن المعنى: أبلغه الله تعالى نضارة الجنة.
وراوي الحديث الذي دعا له النبي ﷺ بالنضارة: هو رواية باللفظ، ولو كان لا يفهم كل معاني الحديث (ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ولو كان لا فهم له في الحديث أبدًا (رب حامل فقه لا فقه له) !!
وهذا يدل على مشروعية رواية الحديث دون فقه، بل يدل على استحباب ذلك؛ ويدل على أن رواي الحديث دون علمه بفقهه محمود غير مذموم، وأنه مستحق بفعله هذا دعوة النبي ﷺ له.
وقد تعقب الرامهرمزي (ت ٣٦٠هـ) هذا الحديث في كتابه (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) بقوله: (ففرق النبي ﷺ بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقه) . وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر (٢)؛ ومثال ذلك أن تمثل بين مالك
_________
(١) حديث صحيح مشهور، أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما. وروي من حديث نحو ثلاثين صحابيًا. ولأبي عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني (ت٣٣٣هـ) جزء حديثي عنون به. وللشيخ عبد المحسن العباد (دراسة حديث (نضر الله أمرأ سمع مقالتي) رواية ودراية) .
(٢) ما أحسن قوله: (وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر) ! فإنك إن ذكرت فضل الفقيه، قلنا لك: وهل تفقه الفقيه إلا بما رواه له المحدث وميز له صحيحه من سقيمه؟! وإن ذكرت فضل المحدث، قلنا لك: وهل يكون للرواية فائدة إلا بفقهها للعمل بما فيها؟!
1 / 23