(الحكاية الأولى) ما نقله الطيبي في شرح المِشكاة أن مسلمًا كان يتلو القرآن فسمع منه بعض القسيسين هذا القول (وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه) [النساء: ١٧١] فقال: إن هذا القول يصدِّق ديننا ويخالف ملة الإسلام؛ لأن فيه اعترافًا بأن عيسى ﵇ روحٌ هو بعض من الله، فكان علي بن حسين بن الواقد مصنف كتاب النظير حاضرًا هناك فأجاب: بأن الله قال مثل هذا القول في حق المخلوقات كلها: ﴿وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه﴾ [الجاثية: ١٣] فلو كان معنى روح منه روح بعض منه أو جزء منه فيكون معنى جميعًا منه أيضًا على قولك مثله، فيلزم أن يكون جميع المخلوقات آلهة فأنصف القسيس وآمن.
(الحكاية الثانية) استدل البعض من الفرقة المسيحية في البلد (دهلي) في إثبات التثليث، بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم بأنه أخذ فيه ثلاثة أسماء فيدل على التثليث، فأجاب بعض الظرفاء: إنك قصرت. عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع ووجود سبعة آلهة بمبدأ سورة غافر وهو هكذا: ﴿حم تنزيل الكتابِ مِنَ الله العزيز العليم غافرِ الذَّنب وقابِل التوبِ شديدِ العقاب ذي الطَّوْل﴾ بل عليك أن تقول: إنه يثبت وجود سبعة عشرًا إلهًا من القرآن بثلاث آيات من آخر سورة الحشر التي ذكر فيها سبعة عشر اسمًا من الذات والصفات متوالية، فإذا عرفت ما ذكرت حصل لك الاطلاع على ستة وثلاثين قولًا من أقوال القسيس النبيل.
كما نبه رحمت الله كيف يكون الواجب في التعامل مع كلام الخصم؛ حيث ذكر: " لا بد أن ينظر إلى حال المخاطب، ويعترف بأن هذا القدر جواب شاف وكاف في جواب ميزان الحق، ومفتاح الأسرار وحل الإشكال وغيرها ... والمرجو أن ينقل أولًا عبارتي، ثم الجواب ليحيط الناظر على كلامي وكلام المجيب، وإن خاف التطويل فلا بد أن يقتصر على جواب باب من الأبواب الستة، ويراعي أيضًا في تحرير الجواب الأمور الباقية التي ذكرت في هذه المقدمة". ثم يضيف رحمت الله أمرا آخر وهو:
(الأمر الآخر) أنه نقل أسماء العلماء والمواضع عن الكتب التي وصلت إلي بلسان الإنكليز، أو عن تراجم فرقة البروتستنت، أو عن رسائلهم باللسان الفارسي أو العربي أو الأردو، وحال الأسماء أشد فسادًا من الحالات الأخر أيضًا كما لا يخفى على ناظر كتبهم فلو وجد الناظر هذه الأسماء مخالفة لما هو المشتهر في لسان آخر فلا يعيب عليه في هذا الأمر.
بين رحمت الله في الباب الأول كتب العهد العتيق والجديد وقد اشتمل على أربعة فصول كما يلي:
تحدث في الفصل الأول عن أسمائها وتعدادها (١)
تعرض رحمت الله لشرح البيبل وعدد كتبه حيث ذكرأنهم يقسمون هذه الكتب إلى قسمين: قسم منها يدَّعون أنه وصل إليهم بواسطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى ﵇، وقسم منها يدَّعون أنه كتب بالإلهام بعد عيسى ﵇، فمجموع الكتب من القسم الأول يسمى بالعهد العتيق، ومن القسم الثاني بالعهد الجديد، ومجموع العهدين يسمى (بَيْبِل) وهذا لفظ يوناني بمعنى الكتاب، ثم ينقسم كل من العهدين إلى قسمين: قسم اتفق على صحته جمهور القدماء من المسيحيين، وقسم اختلفوا فيه.
(١) انظر: المرجع السابق، ص ٩٨.
1 / 182