مذكرات شاهد للقرن
محقق
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
مكان النشر
دمشق - سورية
تصانيف
كان انحطاط وسطي يزعجني ويحزنني كثيرًا، ولم أكن أفهم الأسباب الاجتماعية لذلك ولا نتائجه المعنوية.
وسط هذه البيئة المتغيرة بدأت تظهر بعض السمات الرئيسية في طبعي. كنت أجاهر بأفكاري مجاهرة صريحة وفظة، ولا أزال أذكر ذلك الطالب من (خنشلة) الذي كان زميلًا لي في السنة الأولى، كانت فيه بلادة واضحة تبدو في تصرفاته وأقواله لقد كان يبطئ في كل شيء.
ولم أكن أتورع أحيانًا كثيرة عن أن أصرخ فيه بفظاظة قائلًا: «ما بك؟ تحرك».
لم تكن مشاعري نحوه سيئة، إنما كل ما كنت أريد له هو تغيير ما كان يؤذيني من تصرفاته البليدة. ولم يكن زميلي وهو ابن العائلة العريقة والخلق الرفيع ليبدي أية إشارة تدل على فراغ صبره، بل كان يبتسم ابتسامة يحاول أن يخفي وراءها ارتباكه.
إنني أدرك الآن أن هذه الصفة تعد أساسية في نفسيتي وخصالي، وعلى أساسها يمكن تفسير الكثير من تصرفاتي في الحياة فيما بعد، وخاصة افتقاري للمرونة وهو ما كان ينتقدني من أجله أقرب الأصدقاء. كنت أحب المناقشة خاصة إذا كان الموضوع علميًا أو دينيًا.
وكنا لذلك نتردد أحيانًا على إحدى البعثات التبشيرية الإنجيلية لنتناقش في بعض الموضوعات، وهناك تعرفت لأول مرة على الإنجيل. كان النقاش يدور حول ألوهية السيد المسيح، وكان يشاركني فيه طالب علم في الشريعة قديم حفظ القرآن كله في زاوية (بن سعيد)، ثم اعتنق فيما بعد البروتستانتية على يد امرأة إنكليزية يدعوها أهالي تِبِسَّة (السيدة Bina). وهناك أيضًا تعرفت إلى بعض تلامذة الشيخ (بن باديس) الذين جاؤوا أيضًا ليدافعوا عن الإسلام.
1 / 73