مذكرات شاهد للقرن
محقق
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
مكان النشر
دمشق - سورية
تصانيف
أخذت رويدًا رويدًا تدرك حقيقة ما يجري، خاصة حين بدأت أولى فرق المتطوعين تغادر المدينة، فكانت أمهاتهم ترافقهم حتى المحطة وتودعهم بالبكاء والنحيب.
وبدأت المدينة تستشعر بصورة أوضح جو الحرب، حين بدأت السلطة تَحُدُّ من استهلاك بعض السلع كالسكر والبترول الخ .... وخاصة لما ظهرت في البلاد تلك القطع النقدية الورقية الصغيرة.
في تلك الفترة وفي تلك الظروف بدأت تظهر أسطورة (الحاج غليوم)، وبدأ الشعراء الشعبيون يمجدونه مستعينين لذلك بالأدب الشعبي القديم يبعثونه من سباته، وأحيانًا كانوا يخلقون أدبًا جديدًا لهذه الغاية، وقد أعاد هؤلاء إلى الأذهان في منطقة تبسة أقوال (سيدي علي بن الحفصي) القديمة حول الحرب والبطولات.
وفي منطقة قسنطينة أضيف إلى التراث الشعبي عدة أسئلة جديدة تدور حول موضوع الحرب.
ذات يوم كان معلم عجوز في مدرسة قرآنية في تبسة يروي لتلاميذه أن (غليوم) قال: «أخشى أن تنتهي الحرب قبل أن أتمكن من التعبير عن كل أفكاري وتحقيق كل ما عندي من اختراعات».
هذه الأوهام عاشت لفترة ما في ضمائر الجماهير، أما بالنسبة لي شخصيًا فإن حدثًا مهمًا جاء يغير مجرى حياتي. في مساء أحد الأيام كنت عائدًا من المدرسة إلى المنزل فوجدت أمي بانتظاري عند أعلى درج السلم متأبطة حقيبة وضعت فيها ملابسي. عانقتني بحنان ورافقتني نحو السلم وهي تقول: «أسرع نحو عربة البريد لتجد والدك فترافقه إلى قسنطينة». وقد اندفعت مسرعًا تحدوني رغبة ملحة
1 / 30