مذكرات شاهد للقرن
محقق
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
مكان النشر
دمشق - سورية
تصانيف
وكم استفدت من هذه المدرسة مدرسة المعايشة، إذ يصير التلميذ أستاذًا أحيانًا والأستاذ تلميذًا أحيانًا أخرى.
ولكن ما لبثنا كثيرًا نستنشق هذه السعادة البسيطة الجدية، حتى دق الباب نبأ من تبسة، يخبرني والدي أن رئيسه حاكم المدينة، أمر بنقله إلى مكان آخر، ويسألني هل يستطيع (مسينيون) التدخل لإصلاح وضعه في الإدارة ...
وكيف لا يستطيع البروفسور، وهو المستشار الخبير للحكومة الفرنسية للشؤون الإسلامية؟ ولكن لا بد أن أدق بابه، بينما كنت في تلك الفترة على جانب من الاعتزاز يجعلني أتخيل أن الأبواب يجب أن تفتح أمامي وحدها، ودون أن أدقها؛ فاضطررت على أية حال إلى دق جرس الهاتف لأطلب موعدًا من المستشرق الكبير، الذي حدد لي موعدًا ربما لمصلحة معينة، وربما للتواضع اللائق بكل رجل ثقافة وعلم؛ فدخلت لأول مرة بيته في شارع مسيو، حيث يقضي يومه ويتصفح ويحلل كل تلك المخطوطات العربية ذات الورق الأصفر أو المصفر من القدم، المتراكمة على مكتبه. بينما يدق على مقربة من منزله جرس كانيسة (سان سولبيس) معلنًا أوقات الصلوات في الصباح والعشية.
ما جلست إلا قليلًا حتى دق جرس الباب وقام الأستاذ الكبير فتغيب هنيهة، ثم رجع يستأذنني:
- إنه السيد (حسني الأحمق)، هل ترى مانعًا إذا أدخلته للمكتب معنا؟
تذكرت صاحب كتاب (الرسائل الجزائرية) فقلت بصرامة ودون تلطف:
- لا يا سيدي، لا أريد أن أراه ...
لقد فاتني أن موقفي كان في منتهى عدم الذوق واللياقة، بالإضافة إلى كونه خطأ سياسيًا، بينما لم يبد على وجه (مسينيون) أي تغير واستمر في حديثه معي كأن شيئًا لم يكن.
1 / 241