مذكرات شاهد للقرن

مالك بن نبي ت. 1393 هجري
110

مذكرات شاهد للقرن

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م

مكان النشر

دمشق - سورية

تصانيف

كنت أشعر بالمأساة في كل مرة أذهب فيها لزيارة خالتي بهية، فأرى خالي (علاوة) جالسًا بقربها كولد صغير أو بتعبير أصح كصورة للبؤس البشري. وكنت أحسّ بالمأساة بصورة قوية في تِبِسَّة أيضًا وخاصة في زيارتي الأخيرة في عطلة الصيف، حينما رأيت آخر واحد من عائلة (بن شريف) العريقة - وهي تحمل الاسم نفسه لعائلة شريفة أخرى في قسنطينة- يغادر دار العائلة القديم في ساحة (الكنيسة)، ليستأجر غرفة صغيرة في حي المسلخ القذر، يطل بابها على الشارع فيتخد قسمًا منها لتعليم القرآن لأطفال الحي وآخر لسكنه. أما دار العائلة عائلة (بن شريف) المهجورة المهدمة فكانت تحكي للمارة ببابها المغلق نهائيًا مأساة أمةٍ وبلد. وكان هذا الشعور يزايلني أيضًا حين أمر أمام الدور التي كانت تقطنها في الماضي الفروع المختلفة لعائلة الشاوش العريقة في شارع (بريزون Prison). في ذلك العام وقع حادث صغير، إلا أن نتائجه على تفكيري كانت كبيرة للغاية. ففي مكتبة المدرسة كان (دورنون Dournon) يتولى إعارة الكتب للطلبة؛ وقد استعرت يومًا كتاب ابن خلدون في ترجمة فرنسية قام بها (سلفستر ساسي) و(مروج الذهب للمسعودي) في ترجمة فرنسية لم أعد أذكر صاحبها. وكانت إعارة الكتب تحدث مرة في الأسبوع. وفي إحدى المرات وضعت الصدف بين يدي كتابًا للفيلسوف الفرنسي (كونديلا Condillae) الذي عاش في القرن الثامن عشر والذي يمكن أن يعد إلى حد ما أستاذًا لمدرسة علم النفس الفرنسية. وقد أسرني هذا الكتاب على الرغم من ضخامته وصعوبة فهمه بالقياس إلى طالب مثلي. لم أعد في فترات الاستراحة التي تتخلل الدروس أفكر في تلك الرحلات الخيالية إلى تمبوكتو، كما لم أعد أجد لذة في رسم رأس الشيخ (بن العابد) أثناء

1 / 113