مذكرات شاهد للقرن
محقق
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
مكان النشر
دمشق - سورية
تصانيف
وقد ضمت هذه الصحيفة صوتها إلى صوت جريدة (الشهاب)، ليس هذا فقط بل كانت تطبع على تلك المطبعة الصغيرة التي كان يتولى إدارتها (بوشنال) والواقعة في شارع (بن شريف).
وقد كنت أرافق قديمًا المرحوم جدي حين كان يذهب ليلعب الداما مع بعض أصدقائه. ذلك الشارع الذي يضم في طرفٍ مقهى بن يمينة وفي طرفٍ آخر مطبعة الشهاب، ويتوسطه مكتب الشيخ (بن باديس)، قد أضحى للمدينة شارع الفكر فيها كما كان لها شوارع أخرى للتجارة.
لقد أخذ يكثر في ذلك الشارع مرور أولئك الذين يرتدون ملابس بيضاء، وعلى رؤوسهم عمامة ذات طرف مرخى إلى الوراء يشير إلى أن صاحبها من أنصار (الحركة الإصلاحية)، في محيط لم تكن فيه تلك الحركة قد أصبح لها عقيدتها المحددة وتنظيماتها.
وكان يُرى قوم منهم يأتون من الداخل كما يأتي التجار إلى سوق المدينة ليحملوا إلى مراكزهم بضاعة تموينهم. فكانت هذه العمائم البيضاء تأتي إلى شارع (بن شريف) لتمون الداخل بالأفكار الجديدة.
هذه الأفكار المتداولة في شارع (بن شريف) كانت كمنشار يقوم بعملية تقسيم غامض لطبقات هذا الوسط، وقد كان قبل منسجمًا موحَّدًا في الجزائر.
كان هذا التقسيم يحدث في الأشخاص والأفكار مرة واحدة. فكثير من المعتقدات الباطلة والأوهام التي تعبر عن جهل بالعالم بدأت تُحتَضَر. فالجهل عادة يحمل احترامًا وثنيًا لكل ما هو مكتوب. والجزائر بقابليتها للاستعمار وبالاستعمار كان لديها اعتقاد بخرافة الورقة المكتوبة، فقيمتها السحرية لا تمارسها فقط في النساء العجائز اللواتي يضعن لأطفالهن (حروزًا) يقينهم بها من العين الشريرة،
1 / 106