مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

إبراهيم بن علي النعماني ت. 898 هجري
77

مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

الناشر

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

مكان النشر

https

تصانيف

يدرك الركوع وركع بعد الإمام، وقيل: تجزئه وإن رفع الإمام رأسه ما لم يرفع النَّاس، ونقله ابن بَزيزَة عن الشَّعْبي قال: وإذا انتهى إلى الصَّف الآخر ولم يرفعوا رؤوسهم، أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه فإنَّه يركع وقد أدرك الصَّلاة؛ لأنَّ الصَّف الذي هو فيه إمامه. وقال ابن أبي ليلى وزُفَر والثَّوْري: إذا كبَّر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك، وإن رفع الإمام قبل أن يضع يديه على ركبتيه فإنه لا يُعتد بها. وقال ابن سيرين: إذا أدرك تكبير يدخل فيها في الصَّلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك تلك الركعة، وقال القُرْطُبي: وقيل: تجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقال ابن بَزيزَة: قال أبو العالية: إذا جاء وهم سجود يسجد معهم، فإذا سلَّم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد، ويعتدُّ بتلك الركعة. وعن ابن عُمَر ﵄: إنَّه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى ولا يعتدُّ بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثمَّ مشى فدخل في الصفِّ قبل أن ترفعوا رؤوسكم اعتدَّ بها، وإن رفعوا رؤوسهم قبل أن يصل إلى الصفِّ فلا يعتدُّ بها. وأمَّا حكم هذه الصَّلاة، فالصحيح: إنَّها كلُّها أداء، قال بعض الشافعية: كلُّها قضاء، وقال بعضهم: تلك الركعة أداء وما بعدها قضاء، وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى القصر وصلَّى ركعة في الوقت، فإن قلنا: الجميع أداءٌ، فله قصرها، وإن قلنا: كلُّها قضاء أو بعضها، وجب إتمامها أربعًا إن قلنا: إنَّ فائتة السَّفر إذا قضاها في السَّفر يجب إتمامها، وهذا إن أدرك ركعة في الوقت، فإن كان دون ركعة فقال الجمهور: كلُّها قضاء. ٥٥٧ - قوله: (حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ) أي الأويسيُّ -بضمِّ الهمزة- نسبة إلى أويس أحد أجداده، مرَّ في كتاب الحرص على الحديث. قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي إِبراهِيْمُ بنُ سَعْدٍ) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف أبو إِسْحاق الزُّهْري القُرَشي المدني، ترجمته في باب تفاضل أهل الإيمان. قوله: (عَنِ ابنِ شِهَابٍ) أي محمَّد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة. قوله: (عَنْ سَالمِ بنِ عَبْدِ اللهِ) أي ابن عُمَر بن الخطَّاب، ترجمته في باب الحياء من الإيمان. قوله: (عَنْ أَبِيْهِ إنَّه أَخْبَرَهُ) أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع، وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه الإخبار بصيغة الماضي، وفيه القول، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته كلُّهم مدنيُّون، وفيه أنَّ شيخ البخاري من أفراده، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي وهما ابن شهاب وسالم. قوله: (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: إنَّما بَقَاؤُكُمْ فِيْمَا سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ كَمَا بَينَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التورَاةِ التورَاةَ، فَعَمِلُوا بها حتَّى إِذَا انتَصَفَ النَّهار عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثمَّ أُوْتِيَ أَهْلُ الإِنجِيلِ الإِنجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ العَصرِ، ثمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثمَّ أُوتِيْنَا
القُرآنَ، فَعَمِلنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعطِينَا قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، فَقَالَ: أَهلُ الكِتَابَينِ: أَي رَبُّ، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَينِ قِيرَاطَينِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيْرَاطًا قِيْرَاطًا، وَنَحنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ اللهُ ﷿: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجرِكُم مِنْ شَيءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هُوَ فَضْلِي أُوتِيْهِ مَنْ أَشَاءُ). مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله: (إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ على أنَّ وقت العصر إلى غروب الشمس، وأنَّ من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك، وفيها فليتمَّ ما بقي. قال العَيني: وهذا المقدار بطريق الاستئناس الإقناعي، لا بطريق الأمر البرهاني، ولهذا قال ابن المنيِّر: هذا الحديث مثال لمنازل الأمم عند الله تعالى، وإنَّ هذه الأمَّة أقصرها عمرًا وأقلُّها عملًا وأعظمها ثوابًا. ويستنبط منه للبخاري بتكلُّف في قوله: (فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ) فدلَّ أنَّ وقت العمل ممتدٌّ إلى غروب الشَّمس، وإنَّه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهور بهذا الوقت صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ بالإشارة، لا من صريح العبارة، فإن الحديث مثال، وليس المراد عملًا خاصًا بهذا الوقت، بل المراد سائر أعمال الأمَّة من سائر الصَّلوات وغيرها من سائر العبادات في سائر مدَّة بقاء الأمَّة إلى قيام السَّاعة، وكذا قال أبو المعالي الجُوَيني: فإن الأحكام لا تتعلَّق بالأحاديث الَّتي تأتي لضرب الأمثال، فإنه موضع تجوُّزٍ. قال شيخنا: وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا بخصوص الترجمة، وهي: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ) بخلاف ما أبداه المُهَلَّب. وقال المُهَلَّب: إنَّما أدخل البخاري هذا الحديث والحديث الذي بعده في هذا الباب لقوله: (ثُمَّ أُوْتِيْنَا القُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيْنَا قِيْرَاطَيْنِ) ليدلَّ على أنَّه يستحقُّ بعمل البعض أجر الكلِّ مثل الذي أعطي من العصر إلى اللَّيل أجر النَّهار كلِّه، فمثله كالذي أعطي على ركعة أدرك وفيها أجر الصَّلاة كلِّها في آخر الوقت. قال شيخنا: وتكملة ذلك أن يقال: إنَّ فضل الله الذي أقام به عمل ربع النَّهار مقام عمل النَّهار كلِّه هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصَّلاة الرباعيَّة الَّتي هي العصر مقامَ إدراك الأربع في الوقت، فاشتركا في كون كلٍّ منهما ربع العمل، وحصل بهذا التقرير الجواب عمَّن استشكل وقوع الجميع أداءً مع أنَّ الأكثر إنَّما وَقَعَ خارج الوقت، فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين: ذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء. انتهى. وقال صاحب «التلويح» فيه بعدٌ: فإنه لو قال: إنَّ هذه الأمَّة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه، ولكنها ما أعطيت إلَّا بعض أجر جميع النَّهار، نعم عملت هذه الأمَّة قليلًا فأخذت كثيرًا، ثمَّ هو أيضًا منفك عن محلِّ الاستدلال؛ لأنَّ عمل هذه الأمَّة آخر النَّهار كان أفضل من عمل المتقدِّمين قبلها، ولا خلاف أنَّ صلاة العصر متقدِّمة أفضل من صلاتها متأخِّرة، ثمَّ هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أن صيام آخر النَّهار لا يقوم مقام جملته؟ وكذا سائر العبادات. انتهى. قال العَيني: كلُّ ما ذكروا ههنا لا يخلو عن تعسُّف، وقوله: لا خلاف، غير موجَّه؛ لأنّ الخلاف موجود في تقديم صلاة العصر وتأخيرها، وقياسه على الصَّوم

1 / 77