قال دارسي: «حين سردت كيف أجبت على تدخلها، عرفت أن هناك أملا. لكنك كنت امرأة بالغة؛ امرأة تحمل الكثير من الكبرياء بما لا يسمح أن تتغاضى عن غطرسة الليدي كاثرين. كانت الليدي كاثرين ستكون وصية كارثية على فتاة في الخامسة عشرة من عمرها. وكانت جورجيانا دائما ما تحمل في نفسها شيئا من الخوف تجاهها. وكنا دائما ما نتلقى الدعوات في بيمبرلي التي مفادها أنه يتعين على أختي أن تزور روزينجز. وكان اقتراح الليدي كاثرين أن تشارك أختي ابنة خالتها في مربية لهما وأن تنشآ معا كأختين.» «ربما بنية أن تصبحا أختين. فقد أوضحت لي الليدي كاثرين أنك كنت مقدرا لابنتها.» «كانت هي من قدرت ذلك، وليس أمي؛ وكان ذلك سببا إضافيا لعدم اختيار الليدي كاثرين كواحدة من الأوصياء على جورجيانا. لكنني على الرغم من أنني آسى على تدخل خالتي في حياة الآخرين، فإنها كانت ستصبح أكثر مسئولية مما كنت. ولم تكن السيدة يونج لتؤثر عليها. لقد خاطرت بسعادة جورجيانا، وربما بحياتها، حين وضعتها تحت وصاية تلك المرأة. كانت السيدة يونج تعرف منذ البداية ما تريد، وكان ويكهام جزءا من الخطة منذ اليوم الأول. لقد انشغل بمعرفة كل ما يحدث في بيمبرلي، وأخبرها أننا كنا نبحث عن رفيقة لجورجيانا، ولم تضيع هي وقتا في التقدم للوظيفة. وبقدرة ويكهام القوية في أسر النساء وإيقاعهن، عرفت السيدة يونج أن أفضل فرصة له ليحصل على نمط الحياة الذي شعر بأنه يستحقه هو الزواج من امرأة ثرية، وقد وقع اختياره على جورجيانا لتكون ضحيته.» «إذن أنت تظن أن تلك كانت خطة شائنة من جانبهما منذ اللحظة الأولى التي التقيتما فيها؟» «بلا أدنى شك. لقد خططت هي وويكهام إلى فرارهما منذ البداية. وقد اعترف هو بذلك حين كنا في شارع جريستشرش.»
جلس دارسي وإليزابيث بعض الوقت صامتين، وكانا يحدقان إلى حيث كان تيار الماء يدور ويلتف على الأحجار المسطحة على النهر. ثم نبه دارسي نفسه.
وقال: «لكن هناك المزيد وينبغي أن أتفوه به. كيف لي أن أكون غير عابئ ومتغطرسا بهذه الدرجة، بحيث أرغب في التفريق بين بينجلي وجين؟ لو أنني كلفت نفسي الحديث معها ومحاولة معرفة مدى طيبتها ورقتها، لأدركت أن بينجلي سيكون رجلا محظوظا إن استطاع الفوز بحبها. أعتقد أنني كنت أخشى أنني سأجد صعوبة كبيرة في التغلب على حبي لك إن تزوج بينجلي وأختك، وقد كان حبي لك شغفا أصبح حاجة ملحة، لكنها كانت حاجة أقنعت نفسي بأنني لا بد أن أتغلب عليها. وبفعل الظلال التي ألقتها حياة جدي الأكبر على العائلة تعلمت منذ نعومة أظفاري أن الممتلكات العظيمة تأتي بمسئوليات عظيمة، وأن مسئولية رعاية بيمبرلي والكثيرين الذين تعتمد حياتهم وسعادتهم عليها ستقع على عاتقي. وتعلمت أيضا أن الرغبات الشخصية والسعادة الفردية تأتيان دوما في المرتبة الثانية بعد هذه المسئولية التي تكاد تكون مقدسة.
كانت القناعة بأن ما أفعل كان خطأ هي ما أدت إلى ذلك العرض الأول الشائن، وحتى ذلك الخطاب الذي تبعه والذي أردت أن أبرر به جزءا على الأقل من سلوكي. لقد تقدمت للزواج منك عامدا بكلمات لا يمكن لأي امرأة تحب عائلتها أو تحترمها أو تتحلى بأي كبرياء أو احترام؛ أن تقبل بها، وبرفضك القاسي وخطابي الذي كنت أبرر فيه لنفسي اقتنعت أن كل أفكاري تجاهك قد قتلت ودفنت إلى الأبد. لكن هذا لم يحدث. فبعد أن افترقنا كنت لا تزالين تشغلين بالي وتملكين قلبي، وحين كنت أنت وعمك وعمتك تزورون ديربيشاير وحين التقينا صدفة في بيمبرلي عرفت بكل تأكيد أنني لا أزال أحبك ، وأنني لن أتوقف عن حبك أبدا. حينها بدأت أظهر لك - من دون أن يحدوني الكثير من الأمل - أنني تغيرت وأنني أصبحت الرجل الذي قد تظنين أنه يستحق أن يكون زوجا لك. كنت كطفل صغير يتباهى بألعابه ويئس من الفوز بالاستحسان.»
وبعد أن توقف برهة أكمل حديثه قائلا: «إن فجائية التغيير النابع من ذلك الخطاب الشائن الذي سلمته إليك في روزينجز، والغطرسة والغضب غير المبرر، والكبرياء والإهانة التي أهنت بها أسرتك، كل هذا متبوعا بعد وقت قصير بترحيبي بالسيد والسيدة جادرنر في بيمبرلي - ورغبتي في إصلاح الوضع، والتكفير عن ذنبي وكسب احترامك بطريقة ما، بل وحتى أملي فيما هو أبعد من ذلك، كان ملحا كثيرا بحيث لم يكبح التعقل والحذر جماحه. لكن كيف لك أن تصدقي أنني تغيرت؟ كيف يمكن لأي كائن عاقل أن يصدق ذلك؟ لا بد أن السيد والسيدة جاردنر حتى قد عرفا بسمعتي أنني أتسم بالغطرسة والكبرياء، وأنهما ذهلا من تغيري. وسلوكي تجاه الآنسة بينجلي، لا بد أنك وجدت ذلك مستهجنا. لقد رأيت ذلك حين أتيت إلى نيذرفيلد لزيارة جين حين كانت مريضة. لماذا أعطيت كارولين بينجلي أملا بأن زرت العائلة كثيرا، رغم أنني لم أكن أنتوي أي شيء تجاهها؟ لا بد أن فظاظتي معها كانت مهينة لها في بعض الأحيان. ولا بد أن بينجلي كان يعقد آمالا على وجود تحالف بيننا، ذلك الصديق العزيز. بالنسبة إلي، لم يكن سلوك صديق أو رجل نبيل تجاه أي منهما. الحقيقة أنني كنت مشمئزا من نفسي كثيرا، حتى إنني لم أعد مناسبا للعيش في مجتمع آدمي.»
قالت إليزابيث: «لا أظن أن كارولين بينجلي تشعر بالإهانة بسهولة حين تسعى وراء غرض ما، لكن إذا كنت مصرا على الاعتقاد أن خيبة أمل بينجلي من خسارته لتحالف أوثق تفوق عاقبة الزواج من أخته، فلن أحاول أن أحررك من هذا الوهم. لا يمكن أن تكون متهما بخداع أي منهما، فلم يكن هناك شك قط حول مشاعرك. وأما عن التغيير في سلوكك تجاهي، فلا بد أن تتذكر أنني كنت أعرفك وأقع في الحب. وربما صدقت أنك تغيرت لأنني كنت في حاجة إلى أن أصدق ذلك من كل قلبي. وإن كان التفكير المنطقي هو ما هداني إلى ذلك، ألم تثبت صحة تفكيري؟» «أوه يا عزيزتي، أنت محقة تماما.»
واستطردت إليزابيث: «لدي الكثير لأندم عليه كما لديك، وكان لخطابك ميزة، وهي أنه جعلني أفكر للمرة الأولى في أنني ربما أكون مخطئة بشأن جورج ويكهام؛ فكيف من غير المرجح أن الرجل النبيل الذي اختاره السيد بينجلي ليكون صديقه المقرب قد تصرف بالطريقة التي وصفها السيد ويكهام، وكان مراوغا فيما يتعلق بآمال والده، ولا يحركه سوى الحقد. إن الخطاب الذي تكرهه بهذه الدرجة كانت له فائدة واحدة على الأقل.»
فقال دارسي: «كانت تلك العبارات عن ويكهام هي الكلمات الوحيدة الصادقة في الخطاب برمته. من غريب أنني كتبت الكثير عامدا إلى الإساءة إليك وإهانتك، ولكنني لم أتحمل فكرة أن تنظري إلي على أنني الرجل الذي وصفه لك ويكهام، رغم أننا كنا مفترقين.»
اقتربت إليزابيث منه أكثر وجلسا في صمت مدة لحظات. ثم قالت: «لقد تغيرنا الآن عما كنا عليه حينها. دعنا لا ننظر إلى الماضي إلا لنستقي منه البهجة، ولننظر إلى المستقبل بكل ثقة وأمل.»
فقال دارسي: «كنت أفكر في أمر المستقبل. أعرف أنه من الصعب أن تقتلعيني من بيمبرلي، لكن ألن يكون من المبهج أن نعود إلى إيطاليا ونعيد زيارة الأماكن التي قضينا فيها رحلة زفافنا؟ يمكننا أن نسافر في نوفمبر ونتجنب الشتاء الإنجليزي. ولن نقضي وقتا طويلا في الخارج إن كنت لا تحبين أن تتركي الأولاد.»
صفحة غير معروفة