بالنسبة إلى دارسي وإليزابيث، امتد الشتاء بين عامي 1803 و1804 كمستنقع أسود كان عليهما أن يكافحا من أجل عبوره، بعلمهما أن الربيع قد لا يجلب عليهم إلا محنة جديدة، بل وربما رعبا أكبر، ستنغص ذكراه عليهما بقية حياتهما. لكن وبطريقة ما كان ينبغي عليهما أن يعيشا تلك الأشهر من دون أن يسمحا لما يشعران به من كرب وضيق أن يلقي بظلاله على منزل بيمبرلي أو يدمر سلام أولئك الذين يعتمدون على تلك العائلة ويثقون بها. ومن حسن الحظ أن مصدر قلقهما ذلك ثبت وأنه لا أساس له إلى حد كبير. فستاوتن والسيدة رينولدز وعائلة بيدويل كانوا هم فقط من عرفوا ويكهام حين كان صبيا، ولم يكن الخدم الأصغر سنا يظهرون اهتماما بأي شيء يحدث خارج بيمبرلي. وقد أعطى دارسي أوامره بألا يتم التحدث في أمر المحاكمة، وكان اقتراب عيد الميلاد المجيد مصدر اهتمام وإثارة أكبر من المصير النهائي لرجل لم تسمع عنه غالبية الخدم.
وكان حضور السيد بينيت هادئا ومثيرا للاطمئنان، فكان في حضوره أشبه كثيرا بشبح حميد مألوف. وقد أمضى بعض الوقت يتحدث إلى دارسي في غرفة المكتبة حين لا يكون دارسي مشغولا، وكان دارسي ماهرا ويقدر الذكاء العالي لدى الآخرين. وكان السيد بينيت يزور ابنته الكبرى في هايمارتن من وقت لآخر ليحرص على أن تكون الكتب في مكتبة بينجلي آمنة من اهتمام الخادمات المفرط، ومن أجل إعداد قائمة بالكتب التي ينبغي الحصول عليها. إلا أنه لم يمكث في بيمبرلي غير ثلاثة أسابيع. فقد تلقى خطابا من السيدة بينيت تشكو فيه أنها تسمع خطوات أقدام خفية خارج المنزل كل ليلة وأنها تعاني خفقان قلبها وارتجافه باستمرار. وينبغي على السيد بينيت أن يعود إلى المنزل في الحال ليقدم الحماية والأمان. ولماذا يهتم بشأن جرائم القتل عند الآخرين في حين أنه من المرجح أن تقع جريمة قتل في لونجبورن إذا ما لم يعد في الحال؟
وقد شعر جميع الخدم في المنزل بغيابه، وسمعت السيدة رينولدز وهي تقول لستاوتن: «من الغريب سيد ستاوتن أننا نفتقد السيد بينيت كثيرا بعد أن غادر في حين أننا لم نكن نراه إلا نادرا حين كان هنا.»
ووجد دارسي وإليزابيث كلاهما عزاءه في العمل، وكان هناك الكثير من الأعمال التي ينبغي القيام بها. كان دارسي مشغولا ببعض الخطط التي وضعها بالفعل لإصلاح أكواخ معينة في العزبة، وكان مشغولا أكثر من أي وقت مضى فيما يتعلق بأمور الأبرشية. وكانت الحرب مع فرنسا - التي أعلنت في شهر مايو الماضي - تؤدي بالفعل إلى الاضطرابات والفقر؛ فقد ارتفعت تكلفة الخبز وكان الحصاد هزيلا. وكان دارسي منخرطا كثيرا في إغاثة المستأجرين لديه، وكان هناك سيل منتظم من الأطفال يحضرون عند المطبخ ليحصلوا على أوعية كبيرة من الحساء المغذي الغليظ المشتمل على لحم كثير. ولم يكن هناك سوى عدد قليل من حفلات العشاء التي لم تكن إلا للمقربين من الأصدقاء، لكن عائلة بينجلي كانت تأتي بانتظام لتقديم الدعم والمساعدة، وكانت هناك خطابات منتظمة من السيد والسيدة جاردنر.
وبعد التحقيق نقل ويكهام إلى سجن المقاطعة الجديد في ديربي، حيث استمر بينجلي في زيارته، وقال إنه كان يجده بروح معنوية عالية في العموم. وفي الأسبوع السابق لعيد الميلاد المجيد سمعوا أخيرا أنه قد تمت الموافقة على طلب نقل المحاكمة إلى لندن، وأنها ستنعقد في أولد بايلي. وكانت إليزابيث مصرة على أن تكون مع زوجها يوم المحاكمة، رغم عدم وجود طلب لوجودها في قاعة المحكمة. وكتبت السيدة جاردنر خطابا بدعوة حارة تطلب فيه من دارسي وإليزابيث أن يقضيا وقتهما في لندن في شارع جريستشرش، وتم قبول تلك الدعوة بكل امتنان. وقبل أن يهل العام الجديد نقل جورج ويكهام إلى سجن كلودباث في لندن وتحملت السيدة جاردنر مسئولية الزيارات المنتظمة ودفع المال من دارسي، وهو الأمر الذي ضمن توفير وسائل الراحة لويكهام وإعلاء قدره بين السجانين والمسجونين. وأفاد السيد جاردنر أن ويكهام ظل متفائلا وأن أحد القساوسة الملحقين بالسجن - وهو القس صمويل كورنبندر - كان يزوره بانتظام. وكان السيد كورنبندر معروفا بمهارته في لعبة الشطرنج، وقد علمها لويكهام وأصبحت ممارستها تحتل جزءا كبيرا من وقت السجين. وكان رأي السيد جاردنر أن السيد القس مرحب به كخصم في الشطرنج أكثر من كونه واعظا بالتوبة، لكن بدا أن ويكهام يحبه كثيرا، وكانت لعبة الشطرنج - التي وصل فيها ويكهام إلى مرحلة الهوس - ترياقا فعالا ضد نوبات الغضب واليأس المفاجئة.
وحل عيد الميلاد المجيد وأقيم حفل الأطفال السنوي كالمعتاد، الذي كان كل أطفال الجوار مدعوين إليه. وكان كل من دارسي وإليزابيث يشعران بأنه ينبغي على الصغار ألا يحرموا تلك المتعة السنوية، خاصة في مثل هذه الأوقات العصيبة. كان ينبغي اختيار الهدايا وتوصيلها إلى كل المستأجرين بالإضافة إلى كل الخدم في المنزل وخارجه، وهي مهمة جعلت إليزابيث والسيدة رينولدز منشغلتين كثيرا، في حين حاولت إليزابيث أن تبقي ذهنها مشغولا ببرنامج للقراءة كانت قد خططت له، وكذلك بمحاولة تحسين أدائها في عزف البيانو بمساعدة جورجيانا. وبوجود القليل من الالتزامات الاجتماعية؛ تسنى لإليزابيث قضاء مزيد من الوقت مع أبنائها أو في زيارة الفقراء والعجائز والمقعدين، وعرف دارسي وإليزابيث أن الأيام التي يقومان فيها بالكثير من النشاطات يمكن أن تبقي حتى أسوأ الكوابيس وأكثرها استمرارا بعيدا عنهما.
وكان هناك بعض الأنباء السارة. كانت لويزا أكثر سعادة منذ أن عاد جورجي إلى أمه، وكانت السيدة بيدويل تجد الحياة أكثر سهولة الآن بعد أن توقف بكاء الطفل عن التسبب في شعور ويل بالألم. وبعد عيد الميلاد أصبحت الأسابيع تمر بشكل أسرع، وكان الموعد المحدد للمحاكمة يقترب.
الجزء الخامس
المحاكمة
الفصل الأول
صفحة غير معروفة