ثم حان الوقت لكي يحقق هاردكاسل مع الخدم الذين تجمعوا كما حدث من قبل في قاعة الخدم، وكان الشخص الوحيد المتغيب عن الاجتماع هي السيدة دونوفان التي لم تعتزم أن تترك الحضانة من دون حماية. وحيث إنه من الشائع أن يشعر البريء بالذنب أكثر من شعور المذنب به، فقد كان الجو العام يعبر عن الارتباك أكثر مما يعبر عن الترقب. وقرر هاردكاسل أن يجعل حديثه مطمئنا ومقتضبا بقدر ما يمكنه، وهو مقصد أفسدته جزئيا تحذيراته الصارمة المعتادة بخصوص العواقب الوخيمة التي تحل على الذين يرفضون التعاون مع الشرطة أو الذين يكتمون المعلومات. وبنبرة معتدلة أكثر أكمل حديثه قائلا: «ليس لدي شك أن جميعكم كانت لديه أشياء ليقوم بها في الليلة السابقة لحفل الليدي آن أفضل من الخروج في ليل عاصف بهدف قتل رجل غريب في الغابة الموحشة. وأطلب من أي شخص بينكم لديه معلومات يدلي بها، أو غادر منزل بيمبرلي ليلة أمس في أي وقت بين السابعة مساء والسابعة من هذا الصباح أن يرفع يده.»
رفعت يد واحدة. فهمست له السيدة رينولدز: «هذه بيتسي كولارد يا سيدي، وهي إحدى الخادمات في المنزل.»
طلب منها هاردكاسل أن تقف، وهو ما فعلته بيتسي في الحال من دون تردد ظاهر. كانت الفتاة تتحلى بالشجاعة والثقة وتحدثت بنبرة واضحة: «كنت مع جوان ميلر يا سيدي، في الغابة يوم الأربعاء الماضي، ورأينا شبح السيدة رايلي بوضوح تام كما نراك الآن. كانت تختبئ هناك بين الأشجار، وترتدي معطفا أسود وقلنسوة، لكن وجهها كان واضحا تماما تحت ضوء القمر. ودب الرعب في نفسي أنا وجوان وهرعنا إلى خارج الغابة بأسرع ما يمكننا، ولم تلحق هي بنا. لكننا رأيناها يا سيدي، وما أقول إلا صدقا.»
أمرت جوان ميلر أن تقف، وغمغمت في تردد بأنها تتفق مع ما قالت بيتسي، ومن الواضح أنها كانت خائفة. ومن الواضح أن هاردكاسل شعر وكأنه ينتهك موضوعا أنثويا ملتبسا. ثم نظر إلى السيدة رينولدز التي تولت زمام الأمر. فقالت: «تعرفون تمام المعرفة يا بيتسي ويا جوان أنه من غير المسموح لكما أن تغادرا منزل بيمبرلي بعد حلول الظلام من دون أحد يصحبكما، ومن غير الأخلاقي كما هو من الغباء أن تصدقا أن الموتى يعودون إلى الأرض. إنني أخجل منكما لأنكما سمحتما لأنفسكما أن تصدقا مثل هذه الخرافات الساذجة. سأجتمع بكلتيكما في حجرتي بمجرد أن ينتهي السير سيلوين هاردكاسل من تحقيقه.»
ورأى السير سيلوين أن هذا المشهد يبث الرعب في الفتاتين أكثر مما يمكنه هو أن يفعل. وغمغمت كلتاهما قائلتين: «أمرك يا سيدتي رينولدز.» ثم جلستا من فورهما.
أعجب هاردكاسل بالتأثير الفوري لكلمات مدبرة المنزل، فقرر أنه من المناسب له أن يرسخ لمكانته بتحذير أخير. فقال: «يدهشني أن أي فتاة تتمتع بميزة العمل في منزل بيمبرلي يمكن أن تسمح لنفسها أن تصدق مثل هذه الخرافات. ألم تتلقيا أي تعليم مسيحي؟» ولم تكن هناك إجابة أكثر من: «بلى يا سيدي.»
عاد هاردكاسل إلى الجزء الرئيسي من المنزل وانضم إلى دارسي وإليزابيث، ومن الواضح أنه كان يشعر بالارتياح لأن كل ما تبقى من مهمته هو الجزء الأسهل وهو نقل ويكهام. وكان السجين المقيد الآن بالأغلال قد أعفي من مهانة وجود مجموعة من الأشخاص يشاهدونه وهو يغادر، وشعر دارسي أن من واجبه أن يكون موجودا ليتمنى له حظا طيبا ويشرف على عملية نقله إلى عربة السجن بواسطة آمر البلدة براونريج والضابط ميسون. ثم استعد هاردكاسل ليدخل إلى عربته، لكن وقبل أن يهز السائق اللجام دفع برأسه خارج نافذة العربة ووجه حديثه إلى دارسي قائلا: «التعاليم المسيحية. إنها تحتوي على وصايا بعدم الإيمان بالمعتقدات الخرافية والوثنية، أليس كذلك؟»
تذكر دارسي أن والدته هي من علمته التعاليم المسيحية، لكن واحدا فقط من تلك التعاليم ظل معلقا في ذهنه، وهو أنه ينبغي عليه ألا يسرق، وهي وصية كانت دائما ما تطرق أبواب ذاكرته بوتيرة مثيرة للارتباك؛ حيث إنه امتطى مهره هو وجورج ويكهام حين كانا صغيرين، وذهبا إلى لامتون، وكانت ثمار التفاح الناضجة تتدلى مغرية لهما من الأشجار الملاصقة لجدار البستان الذي كانت ملكيته في ذلك الحين تعود إلى السير سيلوين. فقال دارسي بنبرة صارمة: «أعتقد أيها السير سيلوين أن التعاليم المسيحية لا تحتوي على شيء مناقض لتعاليم الكنيسة الإنجليزية وممارساتها.» «صحيح. صحيح. تماما كما اعتقدت. يا لهن من فتيات غبيات.»
وحين أصبح السير سيلوين على قناعة بنجاح زيارته، أعطى أوامره بأن تتحرك العربة، فراحت تقعقع على الطريق الواسع وتتبعها عربة السجن، وراح دارسي يرقبها حتى غابت عن الأنظار. وحدث لدارسي أنه فكر أن رؤيته للزوار يحلون ويغادرون المنزل قد أصبحت أمرا اعتياديا، لكن رحيل عربة السجن وفيها ويكهام ستخفف كثيرا من وطأة الرعب والمحنة على بيمبرلي، وكان دارسي يأمل أيضا ألا يكون من الضروري مقابلة السير سيلوين أو رؤيته مرة أخرى قبل بدء التحقيقات.
الجزء الرابع
صفحة غير معروفة