لكن لم يكن هناك داع لإلقاء اللوم على الآنسة إليزابيث بينيت لتبني وجهة نظر أكثر حكمة وتفاؤلا. فالمرء لن يحصل على كل ما يبتغيه في الحياة، وأي فتاة شابة في ميريتون على استعداد لأن تتحمل ما هو أكثر من مجرد وجه بغيض على طاولة الإفطار لتتزوج شخصا يتقاضى 10 آلاف جنيه في العام ولتصبح سيدة بيمبرلي. وكانت سيدات مدينة ميريتون - كما يقتضي الواجب - سعيدات لأن يتعاطفن مع المبتلى ويهنئن سعيد الحظ، لكن ينبغي أن يسود الاعتدال في كل شيء، وكان ما ظفرت به الآنسة إليزابيث كبيرا جدا. ورغم أنهن جميعا كن يجمعن على أن الآنسة إليزابيث جميلة بما يكفي، وتتحلى بعينين جميلتين، فإنها لم تكن تمتلك أي شيء آخر يزكيها لرجل يحصل على 10 آلاف جنيه في العام، ولم يمر وقت طويل حتى انتشرت مجموعة من الشائعات المؤثرة في محاولة لتفسير الأمر؛ كانت الآنسة ليزي حريصة على أن تجذب السيد دارسي منذ اللحظة الأولى لأول لقاء بينهما. وحين اتضحت معالم استراتيجيتها، اتفق الجميع على أنها لعبت أوراقها بمهارة كبيرة منذ البداية. وعلى الرغم من أن السيد دارسي رفض أن يراقصها في الحفل؛ فإن عينه كانت تتبعها باستمرار هي وصديقتها تشارلوت التي أصبحت بارعة في تحديد الإشارات التي تدل على الانجذاب المحتمل - وذلك بعد أن قضت سنوات طوالا في محاولة الحصول على زوج لها - وقد حذرت تشارلوت صديقتها إليزابيث من أن تسمح لانجذابها الواضح نحو الملازم جورج ويكهام الوسيم والمحبوب أن يسيء إلى رجل يفوقه منزلة ب 10 أضعاف.
ثم كانت هناك حادثة عشاء خطبة الآنسة بينيت في نيذرفيلد حين أصرت أمها على أن تذهب على صهوة الجواد بدلا من الذهاب في عربة الأسرة، وحينها أصيبت جين بالأنفلونزا، وكما خططت السيدة بينيت، كانت جين مجبرة على البقاء عدة ليال في نيذرفيلد. وقد ذهبت إليزابيث إليها سيرا على الأقدام لتزورها، وقد فرض على الآنسة بينجلي بسبب أخلاقها الحسنة أن تعرض على الزائرة الثقيلة ضيافتها حتى تستعيد الآنسة بينيت عافيتها. ولا بد أن قضاء ما يقرب من أسبوع في صحبة السيد دارسي قد عزز من آمال إليزابيث في تحقيق النجاح، كما أنها لا بد أن تكون قد استغلت مثل هذه الألفة المفروضة أفضل استغلال.
ومن ثم وبإلحاح من صغرى فتيات عائلة بينيت، أقام السيد بينجلي حفلا في نيذرفيلد، وفي تلك المرة رقص السيد دارسي مع إليزابيث. وقد رفعت الوصيفات، الجالسات في كراسيهن المستندة إلى الحائط مناظيرهن ورحن، مثل بقية الحاضرين، يحملقن فيهما بإمعان وهما يشقان طريقهما عبر الصف. ولا شك أن هناك محادثة صغيرة دارت بينهما، لكن حقيقة أن السيد دارسي قد طلب من الآنسة إليزابيث أن ترقص معه، وأنها لم ترفض ذلك كان أمرا مثيرا للاهتمام والتكهنات.
وكانت المرحلة التالية في خطة إليزابيث هي زيارتها إلى السيد والسيدة كولينز في بيت القس في مدينة هانسفورد بصحبة السير ويليام لوكاس وابنته ماريا. كانت تلك دعوة من الطبيعي أن ترفضها الآنسة ليزي. فما هي أوجه المتعة التي يمكن أن تحصل عليها امرأة عاقلة من قضاء ستة أسابيع بصحبة السيد كولينز؟ وكان من المعروف بوجه عام أن الآنسة ليزي كانت اختياره الأول كعروس له قبل أن تقبل به الآنسة لوكاس. ومن ثم كان ينبغي أن تكون الكياسة - وبعيدا عن أي اعتبار آخر - هي السبب في عدم ذهابها إلى هانسفورد. لكنها كانت على علم بأن الليدي كاثرين دي بيرج كانت جارة السيد كولينز وراعيته، وأن ابن أخيها السيد دارسي سيكون في روزينجز بينما يوجد الزوار في بيت القس. أما تشارلوت - التي كانت تطلع أمها على كل تفصيلة من حياتها الزوجية، ويشمل ذلك صحة أبقارها ودواجنها وزوجها - فقد كتبت إلى والدتها تقول إن السيد دارسي وابن عمه الكولونيل فيتزويليام - الذي كان في زيارة إلى روزينجز أيضا - كانا يزوران بيت القس باستمرار أثناء وجود إليزابيث، وأن السيد دارسي ذات مرة جاء إلى بيت القس من دون ابن عمه حين كانت إليزابيث وحدها. وكانت السيدة كولينز واثقة تماما من أن هذا التمييز يؤكد أن السيد دارسي وقع في غرام إليزابيث، وكتبت قائلة إنها تعتقد أن صديقتها سرعان ما ستقبل بأي من الرجلين إذا ما عرضا عليها؛ لكن الآنسة ليزي عادت إلى منزلها من دون الاستقرار على شيء.
لكن في النهاية آلت الأمور إلى مآلها الصحيح حين دعت السيدة جاردنر وزوجها - وهو أخو السيدة بينيت - إليزابيث لتصحبهما في جولة استمتاع صيفية. كان من المفترض أن تكون الرحلة إلى البحيرات، لكن من الواضح أن مسئوليات أعمال السيد جاردنر كانت تملي أن تكون الرحلة أكثر محدودية، وأنهم لن يذهبوا شمالا إلى ما هو أبعد من ديربيشاير. وكانت كيتي - وهي الابنة الرابعة من بنات عائلة بينيت - هي من نقلت تلك الأخبار، لكن لم يصدق أحد في ميريتون تلك الأعذار. فأسرة ثرية كتلك يمكنها أن تسافر من لندن إلى ديربيشاير في إمكانها أيضا أن تطيل رحلتها لتصل إلى البحيرات إذا ما أرادوا ذلك. كان من الواضح أن السيدة جاردنر - باعتبارها شريكا في مخطط ابنة أختها للزواج - قد اختارت ديربيشاير لأن السيد دارسي سيكون في بيمبرلي، وبالفعل كانت عائلة جاردنر وإليزابيث يزوران المنزل حين عاد السيد دارسي، ولا شك أنهم في أثناء ذلك سألوا في الفندق عن موعد وصول سيد منزل بيمبرلي. وكان من الطبيعي - على سبيل المجاملة - أن يتم تقديم عائلة جاردنر ودعوتهم إلى العشاء في بيمبرلي، وإن كان هناك أي شكوك تساور الآنسة إليزابيث حيال حصافة مخططها للإيقاع بالسيد دارسي، فإن أول نظرة منها على بيمبرلي كانت كافية للتأكيد على إصرارها على الوقوع في حبه في أول لحظة مناسبة. ومن ثم فقد عاد السيد دارسي وصديقه السيد بينجلي إلى نيذرفيلد بارك ولم يضيعا وقتا في الذهاب إلى لونجبورن حيث ظفرت الآنسة بينيت والآنسة إليزابيث بالسعادة أخيرا. وكانت الخطبة أقل إمتاعا من خطبة جين، على الرغم من فخامتها. فإليزابيث لم تكن شهيرة من قبل، وكانت سيدات ميريتون الأكثر إدراكا يساورهن الشك أحيانا أن الآنسة ليزي كانت تضحك عليهن سرا. كما اتهمنها أيضا بأنها تهكمية وساخرة، ورغم أنهن لم يكن واثقات تماما من معنى الكلمة، فإنهن كن يعلمن أن تلك الصفة مذمومة في النساء، ذلك أنها صفة لا يحبها الرجال في نسائهن. أما الجيران الذين فاقت غيرتهم مما ظفرت به إليزابيث حدود أي اقتناع بنجاح تلك الزيجة، فكانوا يواسون أنفسهم بأن غرور السيد دارسي وتكبره ولذاعة سخرية زوجته هي أشياء تكفي ليعيشا معا في شقاء وبؤس شديدين لا يمكن أن يعوض عنهما الحصول على بيمبرلي وعلى 10 آلاف جنيه كل عام.
وبالسماح لتلك الرسميات التي لا تكون الأعراس الكبرى وجيهة إلا بها - مثل رسم الصور، وانشغال المحامين، وشراء عربات وأزياء الزفاف الجديدة - زفت الآنسة بينيت على السيد بينجلي والآنسة إليزابيث على السيد دارسي في اليوم نفسه في كنيسة لونجبورن مع القليل من التأخير المفاجئ. كان اليوم سيغدو أفضل أيام حياة السيدة بينيت لو أنها لم تصبها نوبات زيادة سرعة نبضات القلب أثناء القداس، والسبب في ذلك كان خوفها من أن عمة السيد دارسي الشديدة البأس - وهي الليدي كاثرين دي بيرج - قد تظهر على باب الكنيسة لتمنع إتمام الزيجة، ولم تتمكن من أن تهنأ بما ظفرت به حتى تليت المباركة النهائية.
ومن غير المؤكد ما إذا كانت السيدة بينيت تفتقد صحبة ابنتها الثانية، لكن لا شك أن زوجها فعل. فلطالما كانت إليزابيث هي ابنته المفضلة. فقد ورثت ذكاءه وشيئا من خفة ظله واستمتاعه بنقائص جيرانهم وتناقضاتهم، وكان منزل لونجبورن يبدو موحشا أكثر وأقل عقلانية من دونها. وكان السيد بينيت رجلا ذكيا يحب القراءة وتشكل مكتبته ملاذا له ومصدرا لأسعد أوقاته. وسرعان ما وصل هو ودارسي إلى استنتاج أنهما أحبا أحدهما الآخر، وبعدئذ - وكما هو شائع بين الأصدقاء - تقبل كل منهما السمات الشخصية المختلفة للآخر كدليل على تفوقه الفكري. وكانت زيارات السيد بينيت إلى بيمبرلي - التي كان يقوم بها حين لا يكون من المتوقع منه ذلك - غالبا ما تقتصر على وجوده في غرفة المكتبة، التي كانت إحدى أفضل المكتبات الخاصة، وكان إخراجه منها صعبا حتى ولو كان من أجل تناول الطعام. وكانت زيارته لعائلة بينجلي في هايمارتن أقل وتيرة؛ حيث لم يكن هناك الكثير من الكتب والدوريات الجديدة لإغرائه؛ وذلك بعيدا عن انشغال جين المفرط براحة زوجها ورفاهيته، حيث كان السيد بينيت أحيانا ما يجد ذلك مضجرا. كان المصدر الأصلي لأموال السيد بينجلي هو التجارة. فهو لم يرث مكتبة عن الأسرة ولم يفكر في إنشاء واحدة إلا بعد أن اشترى منزل هايمارتن. وفي ذلك المشروع كان يسعد دارسي والسيد بينيت أن يقدما يد العون. فهناك القليل من الأنشطة التي تكون مقبولة جدا مثل إنفاق أموال صديقك فيما فيه رضاك ومنفعته ، وإن كان المشترون يشعرون بالإغراء بصفة دورية نحو التبذير في الإنفاق، فقد كانوا يجدون لأنفسهم عزاء في فكرة أن بينجلي يستطيع تحمل تلك التكاليف. وبالرغم من أن أرفف المكتبة - التي كانت مصممة وفقا لمواصفات وضعها دارسي ووافق عليها السيد بينيت - لم تكن قد امتلأت بأي شكل من الأشكال بعد، إلا أن بينجلي كان يفتخر بالترتيب الأنيق للكتب وبالجلد اللامع للكتب، بل وأحيانا كان يفتح كتابا منها، وشوهد وهو يقرأ حين لا يكون الموسم أو الطقس ملائما لصيد الطرائد أو صيد السمك أو الرماية.
ولم يصحب السيد بينيت زوجته إلى بيمبرلي إلا في مناسبتين اثنتين فقط. وقد استقبلها السيد دارسي بالترحاب والكرم، لكنها كانت تخشى زوج ابنتها كثيرا، فلم ترغب في تكرار التجربة. وبالفعل شكت إليزابيث أن أمها كانت تستمتع أكثر بإبهاج جيرانها بعجائب بيمبرلي وبحجم الحدائق وجمالها، وبعظمة المنزل وفخامته، وعدد الخدم وروعة طاولة الطعام أكثر مما تستمتع هي نفسها بهم. ولم يكن السيد بينيت ولا زوجته يترددان كثيرا على زيارة أحفادهما. فمسألة أن يولد لهما خمس بنات في تتابع سريع لم تخلف لديهما إلا ذكرى حية عن النوم المتقطع في الليل وصراخ الأطفال وكبيرة ممرضات كثيرة الشكوى، وعن تمرد خادمات الحضانة. وكان الفحص الأولي الذي يجرى بعد ولادة كل حفيد لهما بوقت قصير يؤكد زعم الوالدين أن الطفل جميل للغاية، ويظهر بالفعل قدرا كبيرا من الذكاء، وبعد ذلك كانا يقنعان بتسلم تقارير مرحلية منتظمة.
وفي حفلة نيذرفيلد أعلنت السيدة بينيت - مما أزعج ابنتيها الكبيرتين كثيرا - أنها كانت تتوقع أن زفاف ابنتها جين على السيد بينجلي سيفتح الباب أمام بناتها الأصغر للزواج برجال أثرياء، ومما أدهش الجميع أن ماري كانت هي من حققت تلك النبوءة الأمومية الطبيعية. فلم يكن هناك أحد يتوقع أن تتزوج ماري. كانت ماري مدمنة على القراءة لكن من دون تمييز أو فهم، وكانت مواظبة على عزف البيانو، لكنها كانت لا تتمتع بالموهبة، وتتحدث دوما بكلام مبتذل يفتقر إلى الحكمة والفطنة. ومما لا شك فيه أنها لم تكن تبدي أي اهتمام بالرجال. وكانت الحفلات بالنسبة إليها كفارة تتحملها فقط؛ لأنها تمثل فرصة لها لتحتل مركز الصدارة في عزف البيانو وتذهل الجمهور حد الخضوع عن طريق الدوس بحكمة على إحدى دواسات البيانو. لكن وفي غضون عامين من زواج جين، كانت ماري زوجة للقس ثيودور هوبكنز وهو رئيس الأبرشية المتاخمة لهايمارتن.
كان قس هايمارتن متوعكا، وتولى السيد هوبكنز أمر القداس لثلاثة أسابيع. كان رجلا نحيلا وسوداويا يبلغ من العمر 35 عاما، وذلك بالنظر إلى عظاته التي تتميز بإسهاب مفرط ونظريات لاهوتية معقدة، ومن ثم فقد اكتسب بطبيعة الحال سمعة كونه رجلا ماهرا، ورغم أنه يكاد يوصف بالثراء، فإنه كان يتمتع بدخل خاص أكثر من كاف، وذلك بالإضافة إلى راتبه. وفي أحد الأيام التي كان يقدم فيها عظاته، كانت ماري قد حلت ضيفة على هايمارتن وقد قدمتها أختها له عند باب الكنيسة بعد القداس، وسرعان ما أعجب بها بسبب إطرائها على كلامه، وإقرارها بتفسيره الذي استخرجه من النص وإشاراتها المتكررة إلى أهمية عظات فوردايس؛ مما جعل جين تدعوه إلى العشاء في اليوم التالي، وذلك بسبب تلهفها على تناول غداء يوم الأحد مع زوجها، الذي يتكون من اللحوم الباردة والسلطة. وتبعت تلك الدعوة دعوات أخرى، وفي غضون ثلاثة أشهر أصبحت ماري السيدة ثيودور هوبكنز، وكان اهتمام العامة بأمر زواجها محدودا، وقد دل على ذلك عدد الأشخاص الذين حضروا مراسم زفافها.
صفحة غير معروفة